تتصاعد توترات جديدة بين الصين وأميركا في سباق التنافس التكنولوجي والمهني، لكن بطلها هذه المرة الجامعات ومجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
في 19 مارس 2025، وجّه النائب جون مولينار، رئيس اللجنة الخاصة في مجلس النواب الأميركي المعنية بالحزب الشيوعي الصيني، رسائل رسمية إلى رؤساء ست جامعات أميركية بارزة، طالبهم فيها بالكشف عن سياسات تسجيل الطلاب الصينيين في برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) المتقدمة، خاصة تلك المرتبطة بالأبحاث الممولة من الحكومة الفيدرالية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
الجامعات الست هي: كارنيجي ميلون، بيردو، ستانفورد، جامعة إلينوي، جامعة ماريلاند، وجامعة جنوب كاليفورنيا، وهي مؤسسات بحثية عالمية لها شراكات دولية عميقة وإسهامات ضخمة في الابتكار.
وأعرب مولينار عن قلقه من أن هذه الجامعات قد تسهّل دون قصد وصول الصين إلى تقنيات حساسة تُستخدم لأغراض عسكرية، وقال: "إذا لم يُعالج هذا الاتجاه، فسيستمر في إزاحة المواهب الأميركية، وتقويض نزاهة البحث العلمي، وتعزيز الطموحات التكنولوجية الصينية على حسابنا".
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وجاء الرد الصيني سريعاً، ففي 20 مارس، دافعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، عن وجود الطلاب الصينيين في الجامعات الأميركية، واصفة إياهم بركيزة أساسية للتبادل الثقافي ومحرك للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، وأشارت إلى أن الطلاب الصينيين يشكلون نحو ربع إجمالي عدد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، محذرة من "المبالغة في استخدام مبرر الأمن القومي" لاتخاذ إجراءات تمييزية ضدهم.
قطاع حيوي
أسهم الطلاب الدوليون بأكثر من 50 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي خلال العام الأكاديمي 2023-2024، ما دعم المؤسسات التعليمية والمجتمعات المحلية.
واستضافت أميركا في الفترة نفسها رقماً قياسياً من الطلاب الدوليين بلغ 1,126,690 طالباً، ما يمثل زيادة بنسبة 7% مقارنة بالعام السابق، بحسب تقرير Open Doors الصادر عن معهد التعليم الدولي (IIE).
ويُظهر توزع الطلاب حسب المستوى الأكاديمي زيادة بنسبة 8% في عدد طلاب الدراسات العليا ( 502,291 طالباً) وانخفاضاً بنسبة 1%في عدد طلاب المرحلة الجامعية (342,875 طالباً) ،وزيادة بنسبة 22% في عدد المشاركين في برنامج التدريب العملي الاختياري (OPT 242,782 طالباً).
وتشكل الهند والصين معاً أكثر من 54% من إجمالي عدد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، حيث بلغ عدد الطلاب من الهند نحو 331,602 طالب، وبلغ عدد الطلاب الصينيين نحو 277,398 طالباً.
وبرزت من بين أعلى 25 بلداً في عدد طلابها في أميركا كل من بنغلاديش، وكولومبيا، وغانا، والهند، وإيطاليا، ونيبال، وباكستان، وإسبانيا، وسجلت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء زيادة ملحوظة بنسبة 13% في عدد الطلاب المسجلين.
التعليم ساحة المبارزة
بلغ عدد الطلاب الصينيين المسجلين في الجامعات والكليات الأميركية في العام الأكاديمي 2024-2023 نحو 277,398 طالباً، ما يمثل 24.6% من إجمالي عدد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، بحسب Open Doors. ويشكّل هذا الرقم انخفاضاً بنسبة 4% مقارنة بالعام السابق، واستمراراً للاتجاه التنازلي منذ الذروة التي بلغت 372,532 طالباً في عام 2019-2020.
وقد أدى هذا التراجع إلى تجاوز الهند للصين كأكبر مصدر للطلاب الدوليين في الولايات المتحدة.
ويُعزى هذا الانخفاض إلى عدة عوامل، من بينها التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والقيود المفروضة على التأشيرات، إلى جانب تأثير جائحة كوفيد-19، ورغم هذه التحديات، لا تزال الولايات المتحدة وجهة رئيسية للطلاب الصينيين الساعين إلى التعليم العالي في الخارج.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الطلاب الصينيين الذين التحقوا ببرنامج التدريب العملي الاختياري (OPT)، الذي يتيح للطلاب الدوليين فرصة اكتساب خبرة عمل عملية في مجال تخصصهم، قد ارتفع بنسبة 12% ليصل إلى 61,552 طالباً خلال ْالفترة نفسها.
في العام الدراسي 2022-2023، بلغ عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في الصين 469 فقط، بحسب بيانات Statista، وهو تراجع كبير مقارنة بذروة بلغت نحو 24,583 طالباً في عام 2013-2012، وفقاً لـAP News. وقد تسارع هذا الانخفاض نتيجة لجائحة كوفيد-19 والتوترات الجيوسياسية المستمرة، حيث انخفض العدد إلى نحو 211 طالباً فقط في عام 2021-2022، بحسب Christian Science Monitor.
هذا التراجع أثار قلق الخبراء، إذ قد يؤدي إلى نقص في المتخصصين الأميركيين في الشأن الصيني، ما قد يضعف من فعالية التواصل الدبلوماسي بين البلدين.
أبعاد ضاغطة
يتجاوز تأثير هذا السجال حدود التعليم العالي، فالطلاب الصينيون في برامج الدراسات العليا الأميركية -خاصة في مجالات STEM- يشكلون جزءاً أساسياً من سلسلة الابتكار في الشركات الناشئة والتكنولوجيا الكبرى والمقاولين الدفاعيين، وإذا اضطرت الجامعات إلى فرض قيود إضافية، فقد يتقلّص عدد المواهب المتاحة، ما يؤثر على مسار البحث العلمي والتطوير في القطاعين الأكاديمي والخاص.
أما بالنسبة للشركات الأميركية، خصوصاً تلك العاملة في القطاعات ذات الصلة بالأمن القومي أو التي تتلقى تمويلاً فيدرالياً للأبحاث، فإن تصاعد الضغط السياسي يتطلب مراجعة دقيقة لسياسات التوظيف والشراكات والامتثال القانوني، وقد تشكل مثل هذه الإجراءات تحديات أساسية أمام الشركات لتحقيق التوازن بين الانفتاح على المواهب العالمية والالتزام الصارم بالمعايير الأمنية.
كما تعكس هذه المواجهة مسار الفصل المتسارع بين الاقتصادين الأميركي والصيني، قد تُطلب من الجامعات تعزيز عمليات التدقيق الداخلي، وقد تفرض الجهات الممولة للأبحاث الفيدرالية متطلبات تقارير جديدة، كما قد تواجه الشركات مزيداً من الرقابة على كيفية إشراك الباحثين الدوليين، خاصة من الصين، في المشاريع الحساسة.