مستقبلٌ دون تبغ.. هل نتقدم للأمام أم نتجه للخلف؟

مستقبلٌ دون تبغ.. هل نتقدم للأمام أم نتجه للخلف؟

بدأ تنفيذ التدابير الجديدة التي تحدُّ من التدخين في بعض الأماكن العامة في فرنسا يوم 1 يوليو 2025، ولها تأثير عميق على بلد كان يوماً يُوصف بأنه «أمة المدخنين». اليوم، ومع تراجع استهلاك التبغ عالمياً، ونجاح سياسات مكافحة التدخين في تخفيض نسبة المدخنين، بات الحديث عن القيام بخطوات تدفع نحو حظر التدخين في أماكن غير محددة، لكن عدم نجاح بعض المشروعات التي تحاول تحقيق هذا الهدف يثير الكثير من التساؤلات حول مدى إمكانية الوصول إلى «مستقبل دون تبغ»؛ هل يمكننا القول إنه قريب، بعيد، أو أنه حلم مستحيل؟

تجربة بوتان.. حظر تبغ بدائي ونهاية غير متوقعة

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ربّما كان من الغريب للبعض سماع أن بوتان تُعلن عن استغنائها عن السجائر بشكل رسمي عام 2004 عندما منعت استيراد وبيع منتجات التبغ، وأبرزت بوتان أفكارها التي تبدو غريبة عن الحكم كالسماح بقياس «السعادة القومية» عوضاً عن الناتج المحلي الإجمالي، والسماح ببقاء 60% من أراضيها تحت مسمى الغابات المدللة.

ألغت بوتان معظم بنود الحظر خلال جائحة كوفيد-19 عام 2020 والتي ساعدت في انتشار الفيروس ضمن محاولة للحد من التهريب، ومنذ ذلك الوقت، قررت الحكومة دعم برامج التوعية وبرامج الإقلاع عن التدخين بعد التأكد من أن الحظر لم يُسهم في خفض معدلات التدخين، بل زاد من توفره بصورة غير قانونية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

نيوزيلندا.. حلم جيل غير مدخن انتهى سياسياً

وفي خطوة أكثر طموحاً، سعت نيوزيلندا إلى خلق «جيل خالٍ من التدخين» عبر قانون أُقرَّ عام 2022 يمنع أي شخص مولود عام 2009 أو بعده من شراء السجائر عند بلوغ سن 18، وتم اعتماد خطة تدريجية لتقليص التدخين بدلاً من الحظر الفوري، إلا أن تغير الحكومة عام 2023 أدى إلى إلغاء القانون بعد ضغوط من حزب «نيوزيلندا أولاً» الشعبي، رغم التأييد الشعبي الواسع للمبادرة.

الحكومة الجديدة ربطت إلغاء الإجراءات بمصالح مالية تتعلق بعائدات التبغ، والتي استُخدمت لاحقاً لتمويل تخفيضات ضريبية. وهنا يبرز تحدٍ آخر تواجهه خطط إنهاء التدخين: التكاليف الاقتصادية قصيرة الأجل وفقدان إيرادات الضرائب، رغم التوقعات بتعويضها على المدى الطويل من خلال تقليص الإنفاق على الرعاية الصحية.

ورغم تراجع الحكومة، قالت إنها لا تزال ملتزمة بهدف خلق مجتمع خالٍ من التدخين.

دول أخرى على الطريق

تسير دول أخرى على نهج مماثل، فكل من البرتغال وكندا وأستراليا حددت أهدافاً لتقليل نسبة المدخنين إلى أقل من 5% خلال 5 إلى 15 عاماً، أما الاتحاد الأوروبي فقد حدد عام 2040 لتحقيق هذا الهدف.

وتُعد القيود الجديدة في الأماكن المفتوحة إحدى أدوات هذه الاستراتيجيات، مثل حظر التدخين في شرفات المطاعم والمقاهي، وعلى الشواطئ، وفي الحدائق، وحتى في بعض شوارع المدن. وقد تبنّت عدة دول هذه السياسات على المستوى المحلي، من بينها مدن مثل ميلانو الإيطالية التي فرضت حظراً على التدخين في الأماكن المزدحمة مطلع هذا العام، في خطوة مماثلة للقانون المطبق في كوستاريكا.

تقرير منظمة الصحة العالمية

أصدرت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي تقريرها العاشر حول «وباء التبغ العالمي»، والذي يُقيّم جهود مكافحة التدخين عالمياً، وخلص التقرير إلى أن أكثر من 6 مليارات شخص —أي نحو 75% من سكان العالم— مشمولون حالياً بنوع من أنواع سياسات مكافحة التبغ، سواء عبر فرض تحذيرات مصوّرة على عبوات السجائر، أو زيادة الضرائب، أو حظر الإعلانات، أو برامج المساعدة على الإقلاع.

ووفقاً للمنظمة، تراجعت نسبة المدخنين عالمياً من أكثر من 32% عام 2000 إلى أقل من 20% في الوقت الحالي، ومع ذلك، فإن 80% من المدخنين يعيشون في دول ذات دخل منخفض أو متوسط، ومعظمهم من الذكور، فيما يبقى التدخين السبب الأول للوفيات القابلة للوقاية في العالم.