في القمة العالمية للحكومات في دبي الشهر الماضي، بعث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي -ضيف شرف القمة- برسالة إلى حلفائه الخليجيين، قائلاً «أهم نقطة هنا هي الدعم من إخواننا في الخليج».
كان السيسي يشير إلى حِزم الدعم التي تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات التي تلقتها مصر من دول الخليج على مدار العقد الماضي.
لكن الدعم الخليجي لمصر يتخذ الآن مساراً مختلفاً، فبدلاً من المنح غير المشروطة والودائع بالبنك المركزي، تخطّط دول الخليج للاستحواذ على حصص كبيرة في بعض الأصول المصرية القيِّمة، وتخضع العديد من هذه الأصول لسيطرة الجيش المصري.
تلعب مصر دوراً حيوياً في الاستقرار الإقليمي لدول المنطقة، وبعد سنوات طويلة من الدعم الخليجي لمصر، تريد دول الخليج جني عوائد.
إصلاحات اقتصادية صعبة
كان محمد الجدعان، وزير المالية في المملكة العربية السعودية -أحد أكبر الداعمين لمصر- قد قال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا في يناير كانون الثاني، إنهم اعتادوا تقديم منح وودائع مباشرة «دون قيود»، دون تحديد المستفيدين، بحسب وسائل إعلام محلية.
وأضاف «نحن نغيِّر ذلك لأننا نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف؛ إننا نريد رؤية إصلاحات».
يتزامن التغيير في السياسة الخليجية مع الوقت الذي تستعد فيه مصر لإصلاحات اقتصادية صعبة، بعد اقتراضها ثلاثة مليارات دولار من «صندوق النقد» الدولي.
كانت مصر قد لجأت إلى «صندوق النقد» الدولي ثلاث مرات من أجل حزم إنقاذ في السنوات الست الماضية قبل الجولة الأخيرة.
وبحلول الربع الثالث من السنة المالية الحالية، وصلت ديون مصر الخارجية إلى 155 مليار دولار، تمثل نحو 86 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
أزمات طاحنة
وتعاني أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان (106 ملايين نسمة) اليوم أزمة عملة، ومعدلات تضخم غير مسبوقة، ما يجعل ملايين المواطنين غير قادرين على تحمل تكاليف السلع الأساسية.
وبلغ التضخم أعلى مستوياته في خمس سنوات، وفقد الجنيه المصري ما يقرب من نصف قيمته في سلسلة من الإجراءات خفضت قيمة العملة منذ مارس آذار 2022.
وفي العام الماضي وحده، تعهدت دول الخليج بتقديم 22 مليار دولار لمصر، مع تعرض البلاد لأزمة اقتصادية حادة ناجمة جزئياً عن تداعيات الحرب الأوكرانية.
وقال جمال سيف الجروان، الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين الدوليين، وهو تجمع لأكبر المستثمرين الدوليين في الإمارات، لـ«شبكة CNN»، إن مصر دولة مهمة للغاية، وتحظى دائماً بدعم الإمارات، لكنه أشار إلى أن تكرار طلب المساعدة قد يؤثر في الاستجابة لهذه المطالب قائلاً: «طلب الاقتراض أكثر من مرة يتسبب في فقدان المصداقية».
في اتفاقها الأخير مع «صندوق النقد» الدولي، وافقت مصر على عدد من الإصلاحات غير المسبوقة، بما في ذلك تقليص مشاركة مؤسسات الدولة والجيش في الاقتصاد وإخضاعها للإفصاحات المالية الإلزامية.
كما وعدت بتبني سعر صرف مرن، وطرح حصص في عدة مؤسسات حكومية مهمة للبيع، ومع ذلك تتباطأ مصر في تنفيذ هذه التعهدات.
وفي الشهر الماضي، قال مجلس الوزراء المصري إنه سيبيع حصصاً في 32 شركة مملوكة للدولة والجيش خلال العام المقبل، بما في ذلك بنوك بارزة وشركتان مملوكتان للجيش على الأقل.
وقال الجروان «مصر بحاجة إلى إجراء إصلاحات، وفي بعض الأحيان قد لا تحظى تلك الإصلاحات بشعبية كبيرة»، مضيفاً أن مقاومة الجيش لتعهدات الصندوق أمر طبيعي، لكنه سيشرع في خصخصة شركاته التابعة لإنقاذ الاقتصاد.
وأضاف الجروان أن الإصلاحات الاقتصادية ستجعل مصر «أقوى بكثير وأكثر انضباطاً وأكثر إصلاحاً».
موجة جديدة من الرأسمالية
وقال الجروان إن الإمارات تراقب جهود الخصخصة في مصر «عن كثب» لأنها تريد زيادة استثماراتها في البلاد من 20 مليار دولار حالياً إلى 35 مليار دولار، خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويقول محللون إن دول الخليج دفعت مصر لقبول شروط «صندوق النقد» الدولي خاصة تلك المتعلقة بالخصخصة.
وأكد الجروان أن الإمارات لا تتدخل في مفاوضات مصر مع الصندوق، لكنه أضاف أن المصريين «يستمعون إلينا عن كثب». حان الوقت الآن لإفساح المجال للخصخصة مع دخول مصر «الموجة التالية من الرأسمالية»، وهي الموجة التي تواجه غضب كثير من المصريين الذين يرفضون بيع أصولها لدول الخليج.
من جهته، قال عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية في الإمارات، «إن مخاوف المصريين من الاستثمارات الأجنبية لا أساس لها من الصحة، أعتقد أنهم لا يستوعبون أن الاستثمارات لا تجلب الأموال فحسب، ولكن أيضاً التكنولوجيا والخبرة».
وقال المسؤولون المصريون مراراً، إنه بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير كانون الثاني 2011، لم يستطع القطاع الخاص تحمل الأعباء الاقتصادية التي أعقبت الثورة، ما أجبر الدولة والجيش على التدخل.
ويرى محللون أن بيع الأصول الحكومية هو السبيل الوحيد لمصر للخروج من أزمتها الاقتصادية، ومن المرجج أن يكون معظم المستثمرين من الأجانب وخاصةً من الخليج.
(نادين إبراهيم- CNN)