حروب المستقبل لن تكون حروب تصادم خشنة كتلك الحروب التقليدية التي في مخيلتنا، ولن يكون أبطالها جحافل من الدروع البشرية المسلحة والذخائر العسكرية أو العتاد الفتاك، خصوصاً لو كان الصراع بين الولايات المتحدة والصين، أضخم اقتصادين في العالم.
ففي السنوات العشر المقبلة ستتجلى عناوين جديدة، ما برحت تضع بصماتها على يومياتنا، مثل حرب التجارة، الفضاء، التكنولوجيا، السيبرانية، الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، وهو ما طرحته كل من واشنطن وبكين كأولوية قصوى في ميزانيات الإنفاق العسكري، التي شهدت ارتفاعاً قياسياً هذا العام.
تحدد ميزانيات الدول حجم الإنفاق العام وأولوياته، وترسم بذلك الخارطة الاقتصادية للدول، وعندما تكون الميزانيات لدول كبرى بحجم الولايات المتحدة والصين فإن تأثيرات ذلك تتخطى الحدود لتصل نتائجها المباشرة وغير المباشرة إلى شتى أنحاء العالم.
فبعد أيام من إعلان الصين ميزانيتها العسكرية المرتفعة، ونيتها استمرار الضغوط على تايوان، كشفت الولايات المتحدة أيضاً عن أكبر ميزانية عسكرية لها في وقت السلم.
تضمنت الميزانية العسكرية للولايات المتحدة خطة إنفاق تبلغ نحو 842 مليار دولار، حسب ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع.
وبذلك فإن مخصصات وزارة الدفاع الأميركية زادت بنحو 26 مليار دولار، بما يعادل 3.2 في المئة مقارنةً بالعام الماضي، عن ما خصصه الكونغرس في السنة المالية الحالية بنحو 816 مليار دولار.
يأتي ذلك بعدما كشفت الصين في مسودة تقرير الميزانية الصادرة أواخر الأسبوع الماضي عن قفزة كبيرة في ميزانيتها العسكرية السنوية لعام 2023 إلى ما يقرب من 1.55 تريليون يوان (نحو 224 مليار دولار).
صراع أكبر اقتصادين في العالم
استبعد جو يرق، المدير التنفيذي في شركة الخدمات المالية «ILimits»، في حديث لـ«CNN الاقتصادية» نشوب مواجهة عسكرية بين أميركا والصين، لكنه أشار إلى أنه في حال حدوث ذلك فالعواقب ستكون «كارثية على العالم ككل، وعلى منطقتنا العربية أيضاً، التي ما تزال تعاني من تداعيات انتشار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية».
وشدد يرق، على أن الصراع بين أكبر اقتصادين في العالم، سيتركز أكثر في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، خصوصاً بعد تفاقم حدة التوتر بين الطرفين على خلفية رصد منطاد تجسس صيني يُحلق فوق الولايات المتحدة مؤخراً، وسعي الولايات المتحدة بكل ما لديها من قدرات لكبح تحكم بكين بالبيانات الشخصية، لا سيما عبر منع استخدام تطبيق «تيك توك» من قبل المسؤولين الحكوميين.
ورجح يرق أن يقابل رفع الميزانية الدفاعية في الولايات المتحدة مزيد من رفع الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً منطقة الخليج التي تتمتع بفائض في ميزانياتها.
كيف ستتأثر الأسواق العالمية؟
قال يرق إن رفع الميزانيات الدفاعية في أميركا والصين على حدٍّ سواء يوحي بتفاقم التوترات السياسية، مستبعداً أن يكون لذلك على المدى القصير أي تأثير على حركة الأسواق العالمية التي تنحصر تقلباتها اليوم على أسعار الفائدة ومعدلات التضخم.
من جهة أخرى لفت إلى أن أسعار الذهب والفضة، التي شهدت في الفترة الأخيرة انخفاضاً ملحوظاً، تبقى الملاذ الآمن الوحيد في حالة الحرب.
وتوقع أن يرفع رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، أسعار الفائدة بنحو 50 نقطة أساس في اجتماعه المقبل المرتقب في 21 و22 مارس آذار الجاري، وهو ما يرجحه معظم المحللين الاقتصاديين.
وأضاف «أخطأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في عدم رفع الفائدة 50 نقطة أساس في اجتماعه الأول لعام 2023»، كان البنك المركزي الأميركي رفع أسعار الفائدة الرئيسية 25 نقطة أساس فقط في ذلك الاجتماع.
يُذكر أن الولايات المتحدة والصين رفعتا إنفاقهما الدفاعي بنسبة 3.2 في المئة وسبعة في المئة على الترتيب، هذا الأسبوع.
تعطي الميزانية العسكرية الأميركية الأولوية للصين باعتبارها تحدياً آنياً للولايات المتحدة، وكذلك روسيا.
وتستهدف إلى جانب ذلك عدداً من الأولويات، على رأسها:
– تعزيز الردع المتكامل في المحيطين الهندي والهادئ، وعلى المستوى العالمي.
– دعم أوكرانيا والحلفاء الأوروبيين.
– مواجهة التهديدات المستمرة الأخرى، بما في ذلك تلك التي تشكلها كوريا الشمالية وإيران والمنظمات المتطرفة العنيفة.
– تعزيز الأمن السيبراني.
– تعزيز الردع في الفضاء، باعتباره أمراً حيوياً للأمن القومي الأميركي وجزءاً لا يتجزأ من الحرب الحديثة.
أما ميزانية الصين العسكرية فتستهدف أولويات منها:
– ردع العدوان.
– حماية الأمن السياسي والاستقرار الاجتماعي.
– معارضة واحتواء استقلال تايوان.
– قمع مؤيدي الحركات الانفصالية.
– حماية المصالح البحرية.
– حماية المصالح الصينية في الفضاء الخارجي والإلكتروني.
– دعم التنمية المستدامة.