دققت صباح أحمد، ربة منزل مصرية، النظر كثيراً في فاتورة مشترياتها بينما كانت تتمهل في النزول من عتبات المتجر الذي اشترت منه احتياجاتها لشهر رمضان علَّها تجد خطأً في الحساب.
«دفعت 400 جنيه -نحو 13 دولاراً- في منتجات غير أساسية» تقول صباح التي اشترت بعض المنتجات الذي يطلق عليها المصريون «ياميش رمضان» من منطقة باب البحر الشعبية في وسط القاهرة.
يُعرف رمضان في مصر بأنه شهر استهلاكي، إذ تُقبل الأُسر على شراء السلع والمنتجات الغذائية بكثرة وتشهد المحال التجارية رواجاً كبيراً كل عام، لكن هذا العام يواجه المصريون موجة غلاء في أسعار السلع والخدمات مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.
وقفز التضخم السنوي في المدن إلى 31.9% خلال شهر فبراير شباط الماضي، وسجل قسم الطعام والشراب ارتفاعاً بلغ 61.5% مقارنة بالشهر نفسه العام الماضي، وهو ما انعكس على سلوك الأسر وعاداتها.
لجأت صباح، التي تحصل على معاش تقاعدي شهري قيمته 1200 جنيه -أي نحو 39 دولاراً- لشراء كميات أقل من مستلزمات رمضان لمواكبة الارتفاع الهائل في الأسعار «بدلاً من كيلو، اشتريت نصف كيلو من كل منتج وأحياناً ربع كيلو على حسب الحاجة»، بحسب قولها.
هذا السلوك انتهجته علا عبدالرازق، هي ووالدتها، حينما كانتا تشتريان من محل الجملة الشهير بأحد أحياء القاهرة الراقية، لكن رغم هذا كانت قيمة ما دفعته العائلة أكثر مما توقعت «اشترينا القليل من الياميش والفاكهة ودفعنا نحو 6 آلاف جنيه -194 دولاراً- رغم أنها كمية أقل بكثير عن العام الماضي»، حسب قولها.
رمضان مُختلف
لمواكبة الارتفاع الهائل في الأسعار، اختارت بعض متاجر القاهرة عرض أسعار المنتجات بمقدار ربع كيلوغرام بدلاً من كيلوغرام سابقاً، أملاً في استمرار جذب المستهلكين.
ورغم هذا، يشعر التجار العاملون في بيع «ياميش رمضان» بأن هذا العام مختلف؛ فلا يرى سيد محمود، الذي يعمل في التجارة منذ 55 عاماً، زحام كل عام.
يقول سيد لـ«CNN الاقتصادية» بينما يتأمل المارة أمام متجره في وسط القاهرة «لا أحد يملك الأموال، فأسعار الشراب والطعام مرتفعة للغاية، ومن يُرد ياميش يشترِ بكميات أقل».
لا يعاني محمود من اختفاء البضائع أو نقصانها كما كل عام بسبب زيادة الطلب عليها، إذا يملك الكثير من البضائع التي لم تُبع بعد.
أسهم الارتفاع الكبير لسعر الدولار مقابل الجنيه منذ العام الماضي في ارتفاع أسعار «ياميش رمضان» لترتفع بنسبة 100 في المئة، نظراً لأن مصر تستورد كل المنتجات من الخارج كما أن أزمة وقف الاستيراد لفترة أثرت على الأسعار، بحسب حسام علي، مالك محل لبيع الحلوى المجففة.
لكن رغم الظروف الاقتصادية الحالية، يرى علي الذي يعمل في تجارة الجملة، أن القدرة الشرائية أكبر من العام الماضي إذ إنه باع حتى الآن نحو 80 في المئة من البضائع لديه.
يفسر علي هذا الأمر بأنه «لا أحد يمكنه التخلي عن عادات رمضان، فالشراء بالإجبار في هذا الشهر حتى ولو لم تكن الكميات نفسها، كما أن وجود معارض لبيع السلع المخفضة شجّع المستهلكين على الاستمرار في الشراء».
وفي مسعى لتخفيف حدة ارتفاع الأسعار، لجأت الحكومة المصرية لافتتاح معارض للسلع والمنتجات بأسعار مخفضة عن سعر السوق، إلّا أن هذه المعارض تخدم بشكل أكبر المناطق المركزية في مصر.
بضائع أرخص
«رغم الارتفاع الكبير في الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين هذا العام، فإن القطاع الغذائي أقل تأثراً مقارنة بالقطاعات الاستهلاكية الأخرى نظراً لارتفاع معدلات الطلب مدفوعة بالزيادات في معدلات النمو السكاني في مصر»، وفقاً لما تقوله إيمان مرعي، رئيس القطاع الاستهلاكي بشركة العربي الإفريقي لتداول الأوراق المالية.
وأضافت لـ«CNN الاقتصادية»، «في ظل الارتفاع الكبير للأسعار حالياً، اضطر المستهلكون للتحول من السلع المرتفعة أسعارها إلى السلع الأرخص سعراً لمواكبة الزيادات المتتالية في الأسعار».
هذا التحول إلى البضائع الأرخص أقدمت عليه أغلب طبقات المجتمع وفي كل السلع، حسب ما تقوله مرعي.
وتتوقع مرعي أن تستمر الأسعار في الزيادة خلال الفترات المقبلة مع الارتفاع المستمر للتضخم في مصر، كما سيستمر تحول المستهلكين من المنتجات الأغلى إلى المنتجات الأقل سعراً لمواكبة ارتفاع الأسعار.
بين توقعات مرعي وما سيحدث على أرض الواقع، ستستقبل سُفرة صباح وعلا، شهر رمضان بكميات أقل من المعتاد من الطعام، إذ ستجبرهما الأسعار على اتباع أنماط معينة من الاستهلاك.