«خفضٌ للجنيه ورفعٌ للفائدة».. قراران انتظرهما المصريون بقلق بالغ خلال عطلة نهاية الأسبوع، نُفذ أحدهما وبقي الثاني.
رفع البنك المركزي المصري الفائدة بواقع نقطتين مئويتين، بينما لم يخفض سعر الجنيه مجدداً كما كان متوقعاً ليتماشى سعره الرسمي مع السعر في السوق الموازية.
يبلغ متوسط سعر الدولار في البنوك المصرية 30.9 جنيه، في حين يُتداول في السوق الموازية بين 35 و36 جنيهاً، وتخطى سعره في العقود الآجلة لأجل عام حاجز 40 جنيهاً.
تعويم حر أم محكوم
منذ عام 2016، يطبق المركزي المصري نظام سعر صرف مرن، أي أنه سمح بهامش للعرض والطلب في توجيه سعر الصرف، ومنذ ذلك الحين انخفض الجنيه ثم عاد للاستقرار لفترة طويلة قبل أن يُقدِم المركزي على أكثر من خفض للسعر في ظل شح كبير لموارد العملة الصعبة في مصر.
«تاريخياً، عُرف عن البنك المركزي المصري أنه يخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار ثم يعود إلى التدخل في السعر وتثبيته، وهو ما أدى إلى اتباع نهج متدرج في خفض قيمة العملة»، حسب ما تقول كالي ديفيس، الاقتصادية في «أكسفورد إيكونوميكس إفريقيا» والمتخصصة في متابعة اقتصادات مصر والمغرب والجزائر، لـ«CNN الاقتصادية».
يُعرف هذا اقتصادياً باسم «التعويم المحكوم» أي أن السلطات الرسمية تتحكم في قيمة العملة بدلاً من السوق.
وتقول ديفيس إن الجنيه المصري شهد عدة جولات من التخفيض خلال الأشهر الماضية كان آخرها في يناير كانون الثاني، وهي تخفيضات ضرورية لمواءمة سعر الصرف الرسمي مع السعر العادل، إذ كان البنك المركزي يدعم العملة المحلية مقابل الدولار لسنوات عديدة.
ويبدو أن عدم التزام مصر بسعر مرن قد أسهم في نشوب أزمة أخرى، إذ يقول «جولدمان ساكس» في تقرير له «عدم التزام مصر بسعر صرف حر واتباع نظام سعر محكوم أدى إلى عودة ظهور السوق الموازية ليُتداول الدولار بزيادة بين 20 و30 في المئة على السعر الرسمي في البنوك حالياً».
كانت السوق الموازية اختفت في أعقاب تحرير سعر الصرف في مصر عام 2016 قبل أن تعود للنشاط في نهاية العام الماضي مع انخفاض الموارد الدولارية للبلاد.
لكن علي متولي، الباحث المساهم لقسم الشرق الأوسط بوحدة الاستخبارات الاقتصادية لدى «إي آي يو»، يرى أن «الحكومة المصرية لا تستطيع المجازفة وتنفيذ تعويم حر، لأن هذا قد يتسبب في انخفاض مُبالغ فيه للعملة وقد لا يعكس القيمة الحقيقية للجنيه، كما أن الوضع الحالي غير ملائم في ظل مضاربات كبيرة على سعر العملة».
وسيكون استمرار ارتفاع سعر الفائدة الأميركية أمراً في الحسبان، إذ يؤثر على عملات الأسواق الناشئة بما فيها الجنيه، وفقاً لمتولي.
وتضع الحكومة والبنك المركزي التضخم المرتفع نصب العين، خاصة أن التحول نحو نظام سعر الصرف المرن ليس بالأمر السهل، وله آثار اجتماعية شديدة على المدى القصير، وفقاً لما تشير إليه ديفيس.
تكابد مصر حالياً موجة تضخم جامح جراء تراجع سعر الصرف، إذ ارتفع التضخم السنوي إلى 31.9 في المئة في فبراير شباط الماضي، وهو أعلى مستوى منذ نحو خمس سنوات.
ما الحل لمشاكل الجنيه المصري؟
يوصي «جولدمان ساكس» بأن تمضي مصر قُدماً في الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي لتجنب خيارات أشد صعوبة.
وفي ديسمبر كانون الأول الماضي، وافق صندوق النقد على قرض لمصر بثلاثة مليارات دولار مقابل السماح بمرونة أكبر لسعر الصرف وخفض معدلات التضخم والتوسع في بيع الأصول المملوكة للدولة وإفساح المجال للقطاع الخاص للمشاركة في الاقتصاد.
ويرى متولي أن بيع جزء من أصول الدولة هو الحل الذي من الممكن أن يدعم العملة في الوقت الحالي، إذ سيقلل الضغط على سوق الصرف، ما يوقف خفض العملة.
ورغم أن بيع جزء من أصول الدولة قد يوفر سيولة دولارية في مصر، فإنّ التوقعات بشأن مستقبل الجنيه تبدو قاتمة.
إذ تتوقع ديفيس أن يسجل الدولار 34.8 جنيه في نهاية العام الجاري، مع إمكانية أن ينهي الجنيه العام عند مستوى أضعف من هذا الرقم.
في المقابل، يتوقع متولي أن يصل الجنيه إلى هذا السعر خلال الربع الثاني من العام، ليبلغ من 33 إلى 34 جنيهاً، نظراً لتنامي الضغوط على سوق الصرف وزيادة المضاربات.