تقع موازنة مصر في العام المالي الجاري تحت وطأة عدة ضغوط اقتصادية أبرزها الارتفاع المستمر لأسعار الفائدة محلياً، ما يلقي مزيداً من الأعباء على فوائد الديون التي تدفعها الحكومة المصرية مقابل بيع سندات و أذون خزانة حكومية.
وأدوات الدين المصرية هي أذون وسندات خزانة يطرحها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية دورياً مقابل معدل فائدة وبأجل محدد.
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 8 نقاط مئوية على مدار 2022، في مسعى لاحتواء التضخم، وأقر نهاية الشهر الماضي رفعاً جديداً بواقع نقطتين مئويتين، ليسجل سعر الفائدة على الإيداع 18.25 في المئة و19.25 في المئة على الإقراض.
مدفوعات ديون أكبر
ونتيجة الارتفاعات المتتالية في أسعار الفائدة في مصر، ارتفع العائد المطلوب من المستثمرين لشراء أدوات الدين المصرية، إذ تخطى 23 في المئة خلال الأيام الماضية.
ويعني هذا أن الحكومة المصرية ستكون مجبرة على دفع عوائد أكبر على أدوات الدين التي تبيعها للمستثمرين بآجال مختلفة.
وتقول منى بدير، كبير الاقتصاديين في أحد البنوك المصرية الخاصة، إن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثّر بشكلٍ كبير ومباشر على مدفوعات الفوائد التي تدفعها الحكومة مقابل الديون، والتي تعد جزءاً كبيراً من نفقات الموازنة.
وتمثّل مدفوعات فوائد الديون في الموازنة العامة المصرية للعام الجاري نحو 33 في المئة من النفقات، وهي الأعلى نصيباً من إجمالي النفقات، وفقاً لما قالته بدير لـ«CNN الاقتصادية».
وخلال النصف الأول من العام المالي الجاري ارتفعت مدفوعات فوائد الديون في الموازنة المصرية بنسبة 36.2 في المئة لتسجل 392.8 مليار جنيه (12.7 مليار دولار) مقارنة بالفترة نفسها من العام المالي الماضي بما يمثّل 41.7 في المئة من إجمالي المصروفات خلال الفترة، وفقاً لبيانات وزارة المالية المصرية.
وبحسب أحمد السيد، خبير الاقتصاد والتمويل، فإن زيادة أسعار الفائدة تؤدي إلى رفع أعباء الدين على الموازنة العامة نتيجة ارتفاع أسعار العائد على الأموال التي تقترضها الحكومة.
وفي سبيل مواكبة الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة، اضطرت وزارة المالية لتعديل تقديراتها بشأن أسعار العائد المتوقعة على أدوات الدين خلال موازنة العام الجاري، مقارنة بما كانت تتوقعه وقت إعداد الموازنة في يوليو تموز الماضي.
وتتوقع وزارة المالية أن يبلغ متوسط سعر العائد على الأذون والسندات الحكومية خلال العام الجاري 18 في المئة مقابل 14 في المئة كانت تتوقعها في بداية إعداد الموازنة.
كما تشير إلى أن أي ارتفاع في أسعار الفائدة بنحو نقطة مئوية مقارنة بما هو متوقع سيكون له تأثير سلبي على عجز الموازنة، وذلك نتيجة زيادة فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة بنحو 30 مليار جنيه سنوياً.
وتعد هذه التوقعات بعيدة المنال إذا ما نظرنا إلى سعر العائد الذي باعت به وزارة المالية آخر عطاءات أذون الخزانة منذ أيام قليلة، والتي بلغ متوسطها بين 21.297 في المئة و23.341 في المئة، وهو ما يعكس الارتفاع الكبير في الفائدة في مصر خلال العام الماضي.
ولجأت الحكومة إلى بيع أذون بأقل مما كانت تستهدف نظراً للعائد الكبير الذي طلبه المستثمرون عليها.
وتقول بدير «بالنظر إلى عطاءات الأذون، سنجد أن العائد المطلوب على المدى القصير مرتفع في وقت لا تصدر الحكومة سندات طويلة الأجل، وهو ما يعني أن حجم الموازنة العامة المصرية يتعرض لضغوط كبيرة».
عجز الموازنة يتصاعد
يتوقع السيد أن تسهم هذه الضغوط في اتساع عجز الموازنة المصرية خلال الفترة المقبلة، في ظل الأوضاع الخارجية التي لا تزال غير مستقرة بشكلٍ كامل.
ومن أجل ذلك أعادت وزارة المالية النظر في تقديراتها لعجز الموازنة العامة ليصبح 6.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 6.1 في المئة كانت تتوقعها سابقاً.
في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ عجز موازنة مصر 7.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الجاري، على أن يواصل الارتفاع ليسجل 9.2 في المئة في العام المالي المقبل.
وترى بدير أن «ارتفاع الفائدة يؤثّر إجمالاً على تكلفة الاقتراض الحكومي ويفاقم من التكلفة غياب قدرة مصر على الاقتراض من الخارج لارتفاع الفائدة عالمياً وانخفاض شهية الاستثمار في الأصول عالية المخاطر للأسواق الناشئة».