كشفت مصر عن مشروع موازنتها للعام المالي الجديد، في خضم أزمة اقتصادية حادة تعيشها القاهرة على وقع تدني سعر صرف الجنيه وشح الدولار والارتفاع الحاد للتضخم.
تظهر البيانات أن الديون وفوائدها ستلتهم نسبة كبيرة من موازنة مصر الجديدة، وبينما تستهدف الحكومة خفض عجز الموازنة، ستستمر في تقديم دعم أكبر للسلع التموينية والبترولية بزيادة 23.6 في المئة مقارنة بالعام المالي الجاري.
موازنة أزمة
تشير توقعات وزارة المالية المصرية إلى حالة من التفاؤل لا تعكس الأزمة الراهنة للاقتصاد المصري، إذ تستهدف الوزارة خفض العجز الكلي للموازنة إلى نحو سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بموازنة معدلة للعام المالي الجاري تقدر عجز موازنة مصر بثمانية في المئة وتتوقع تحقيق فائض أولي قدره 2.5 في المئة.
فضلاً عن توقعات بنمو اقتصادي بنحو 4.1 في المئة في العام المالي المقبل، مقارنة بـ4.2 في المئة العام المالي الجاري.
تقول مي قابيل، باحثة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لـ«CNN الاقتصادية»: «لو حصلت الحكومة المصرية على الموارد المتوقعة يمكنها أن تحقق هذه المستهدفات، لكن هل ستتمكن من تدبير التمويل اللازم لخططها؟ والأهم من ذلك؛ هل هذه المستهدفات تحقق التنمية المطلوبة وتساعد فعلاً على الخروج من الأزمة؟».
يصف ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، الموازنة الجديدة بأنها «موازنة أزمة، إذ اقتربت المصروفات من ثلاثة تريليونات جنيه، وهو رقم كبير يعكس تعويم الجنيه خلال الفترات الماضية».
الاحتياجات التمويلية لمصر
تقدر الحكومة العجز الكلي لموازنة العام المالي الجديد بنحو 824.4 مليار جنيه (26 مليار دولار) وهو الفارق بين إيرادات الموازنة ومصروفاتها.
بينما ستحتاج الحكومة المصرية بجانب ذلك إلى سداد قروض محلية بقيمة 1.017 تريليون جنيه (32.9 مليار دولار) وسداد ديون خارجية بقيمة 298.7 مليار جنيه (9.6 مليار دولار).
تخطط الحكومة لتمويل هذه الاحتياجات من القروض المحلية عن طريق طرح أذون وسندات خزانة أو عن طريق الاقتراض الخارجي عبر مؤسسات التمويل الدولية وإصدار سندات دولية.
تكشف البيانات أن مصر تهدف لاقتراض 184.5 مليار جنيه (5.9 مليار دولار) من الخارج، بينما ستطرح ديوناً محلية بقيمة 1.9 تريليون جنيه (63.2 مليار دولار).
تشير قابيل إلى أن «البيانات تُظهر أن نصف موارد الموازنة ستأتي عبر الاقتراض، وهو ما حدث أيضاً في موازنة العام الماضي، ويحدث بدرجات على مدار السنوات الماضية، لكن وتيرته تتصاعد».
وتضيف «لا يوجد في خطط الدولة ما يشير إلى أنها تريد أن تخرج من هذه الدائرة».
يعتبر عمر أن «الاقتراض يصبح مشكلة عندما لا يكون لدى الدولة القدرة على السداد، وفي حالة مصر فهي لم تتأخر عن سداد أي قرض في وقته».
فوائد الديون على مصر
تثقل فوائد الديون التي تندرج تحت بند المصروفات كاهل الموازنة العامة، إذ تلتهم 37 في المئة منها، بجانب أنها تمثل 52 في المئة من الإيرادات.
وتتوقع الحكومة المصرية أن تبلغ قيمة فوائد الديون المسددة في العام المالي الجديد نحو 1.12 تريليون جنيه (36.2 مليار دولار) بزيادة 30.8 في المئة على العام المالي الجاري.
تعزو وزارة المالية الارتفاع في فاتورة مدفوعات الديون إلى توقع استمرار البنك المركزي المصري في سياسته النقدية المشددة -رفع الفائدة- في ظل ارتفاع معدلات التضخم، بجانب تغيير سعر الصرف على قيمة الفوائد المسددة عن القروض بالعملة الأجنبية.
تعكس الزيادة في بند الديون ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه بالطبع، لكنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع سعر الفائدة في مصر، وفقاً لقابيل.
وتضيف «تلجأ الحكومة لرفع سعر الفائدة باعتباره نظرياً من أدوات مواجهة التضخم، لكنها في الوقت نفسه ترفع تكلفة الاقتراض المحلي الذي تعتمد عليه بشدة، فترتفع الفائدة على أذون وسندات الخزانة التي تبيعها».
الاستثمارات الحكومية في مصر
قبل أسابيع حث صندوق النقد الدولي الحكومة المصرية على التوقف عن المشروعات القومية الكبيرة في محاولة للحد من الضغط على الدولار، وهو ما أعلنته الحكومة بالفعل.
لكن بند الاستثمارات الحكومية في الموازنة الجديدة ارتفع بنسبة 55.8 في المئة مسجلاً 586.6 مليار جنيه (18.9 مليار دولار) مقارنة بالعام المالي الجاري.
وبحسب قابيل «في أوقات الأزمات يمكن للحكومة أن تخفض من إنفاقها على بنود غير ملحة ويمكن تأجيلها مثل بعض الاستثمارات العامة حتى يتسنى لها التوسع في بنود الحماية الاجتماعية».
لكن عمر يقول إن ارتفاع بند الاستثمارات الحكومية يعكس فرق سعر صرف الجنيه من العام المالي الجاري إلى العام الجديد، مشيراً إلى أن الحكومة لن تتوسع في المشروعات الجديدة لكنها ستنتهي من المشروعات القائمة.
وأضاف «المطلوب الفترة المقبلة أن تكون هناك أولويات، وأن تحجّم الحكومة المشاريع التي تحتاج إلى مكون دولاري لمدة عام على الأقل حتى يمكننا امتصاص الأزمة».