قال محللون اقتصاديون إن البنك المركزي الأوروبي يتجاهل تأثير ارتفاع أرباح الشركات على التضخم -أو ما يُعرف بـ«تضخم الجشع» في لغة السوق- بينما يلقي باللوم على زيادة الأجور كمحرك أساسي للتضخم، على الرغم من استمرار تخلف معدل نمو الأجور عن معدل زيادة الأسعار بشكل كبير.
ففي مؤتمر صحفي يوم الخميس، أشارت رئيسة المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، إلى ارتفاع الرواتب كسبب رئيسي في زيادة الأسعار، متوقعة زيادة جديدة في أسعار الفائدة من قبل البنك.
ويرى المحللون أن تركيز المركزي الأوروبي على «الرواتب» يمثل تحولاً في سياسته، إذ كان يركز على أرباح الشركات في اجتماعاته الأخيرة.
وانتقد الاقتصاديون هذا التحول موضحين أن التركيز على ارتفاع الأجور يعني أن البنك يدعو العمال إلى تحمل تكلفة ارتفاع الأسعار بمفردهم، مع غض الطرف عن الأرباح القياسية التي تحققها الشركات بسبب الافتقار إلى المنافسة القوية.
وتعليقاً على ذلك، غرّدت دانييلا غابور، أستاذة الاقتصاد التمويل الكلي في جامعة غرب إنجلترا في بريستول، على تويتر بقولها «لا يريد البنك المركزي الأوروبي التحدث عن الأرباح، ويواصل إلقاء اللوم على العمال في أزمة التضخم مُطالباً العمال بالاستمرار في تحمل النتائج المؤلمة لسوء التوزيع».
ووفقاً لبيانات «يوروستات» (هيئة عامة تابعة للمفوضية الأوروبية تزود الاتحاد الأوروبي بالمعلومات الإحصائية)، فقد ارتفعت الأجور التي يتقاضاها الموظفون بشكل لا يتناسب مع إنتاجيتهم خلال الربع الأول من العام الجاري، فعلى الرغم من انخفاض إنتاج الشركات، لم يتم تسريح العاملين، ما أدى لانخفاض إنتاجية العامل.
ويُقصد بمصطلح «الإنتاجية» مقدار ما ينتجه العامل الواحد في فترة زمنية محددة، وفقاً لتعريف اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة.
وبالفعل لم تتطرق لاغارد إلى الأرباح «المرتفعة نسبياً» التي تحققها بعض الشركات، وفضلت إلقاء اللوم على «الإنتاجية» كسبب رئيسي وراء ارتفاع معدلات التضخم على الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي.
سياسة متناقضة
من جهة أخرى، أشار إريك دور، الأستاذ بمعهد الاقتصاد العلمي والإدارة في باريس، إلى التناقضات في سياسة المركزي الأوروبي تجاه التضخم، إذ قال «إن السياسة التي تهدف إلى خفض التضخم هي نفسها التي تسهم في استمراره، على المدى القصير على الأقل»، موضحاً أن رفع معدلات الفائدة يؤدي إلى انخفاض الطلب، وبالتالي خفض حجم الإنتاج.
ونظراً إلى أن الشركات لم تبادر بتسريح العمالة، فإن انخفاض الإنتاج سيؤدي بدوره إلى خفض إنتاجية كل موظف، وبالتالي ارتفاع تكاليف العمالة، ومن ثَمّ ارتفاع الأسعار.
استيعاب الشركات للتكلفة
تنبأ البنك المركزي الأوروبي في توقعاته الأخيرة بأن أرباح الشركات ستتوقف عن المساهمة في رفع التضخم العام القادم، ما يعني أن الشركات ستبدأ في استيعاب تكاليف العمالة المرتفعة، وسيكون هذا بمثابة تحول ملحوظ بعد أن كانت الأرباح هي المحرك الأساسي لارتفاع الأسعار على مدار العامين الماضيين.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو محتمل بالفعل، فإن دور أشار إلى سيناريوهات أخرى محتملة، على سبيل المثال قد يدفع ضعف المناخ التنافسي بعض الشركات نحو تعويض انخفاض مبيعاتها بزيادة أسعارها، حتى في حالة الركود الاقتصادي.
ولم تتطرق لاغارد إلى سبب ارتفاع الأرباح وما إذا كان يستدعي اهتمام المركزي الأوروبي، بل تركت مواجهة الأمر لأصحاب الأعمال والموظفين، مشيرة إلى أن المركزي الأوروبي سيركز على إعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2%، وأنه من المحتمل البدء في رفع سعر الفائدة مرة أخرى في يوليو.
في المقابل، قال رينيه ريباسي، عضو لجنة البرلمان الأوروبي التي تشرف على البنك المركزي الأوروبي «لا ينبغي معالجة (تضخم الجشع) بمعدلات فائدة أعلى، بل من خلال ملاحقة الممارسات الاحتكارية المتسببة في رفع الأسعار بشكل يؤثر على الفئات الأكثر فقراً في المجتمع».
(رويترز)