في خطوة تعزز من خلالها بكين مساعيها إلى وقف التباطؤ الذي أصاب الاقتصاد الصيني -ثاني أكبر اقتصاد في العالم- عينت بان غونغ شنغ -الخبير الاقتصادي الذي سبق أن درس في جامعتي كامبريدج وهارفارد- في منصب رئيسي في بنكها المركزي «بنك الشعب الصيني»، ما يمكن أن يكون تمهيداً ليحل محل الحاكم يي غانغ في النهاية.
جاء هذا الإعلان قبل أيام فقط من زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى بكين، كما يأتي في ظل سلسلة من البيانات الاقتصادية المتشائمة التي دفعت العملة المحلية اليوان إلى الانخفاض نحو أسوأ مستوياتها منذ 15 عاماً.
أفادت صحيفة «سكيوريتيز تايمز» الحكومية نقلاً عن محللين مجهولين بأن غونغ شنغ -الذي سيبلغ الستين من عمره هذا الأسبوع- من المرجح أن يُعيّن محافظاً للبنك بعد ترقيته إلى أعلى منصب يلي المحافظ، وبذلك فهو يحل محل يي -البالغ من العمر 65 عاماً- والذي شغل منصب محافظ البنك المركزي لمدة خمس سنوات.
حل غونغ شنغ محل قوه شو تشينغ، الذي استمر رئيساً للحزب في البنك المركزي منذ 2018، وأشرف على حملة تنظيمية ضد تكتلات التكنولوجيا المالية مثل «آنت غروب».
ويشغل غونغ شنغ حالياً منصب نائب محافظ بنك الشعب الصيني، كما يشغل رئيساً منظماً للصرف الأجنبي في الصين، إذ يدير أكبر احتياطيات العملات الأجنبية في العالم بقيمة تبلغ نحو 3.18 تريليون دولار.
من جهته، وصف زميل السياسة الصينية في مركز تحليل الصين التابع لمعهد مجتمع آسيا للسياسة، نيل توماس، ارتقاء غونغ شنغ بالصدمة؛ نظراً لأنه لم يُعيّن في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهي أعلى هيئة لصنع القرار.
في النظام السياسي الصيني، عادة ما يكون رئيس الحزب الشيوعي هو المسؤول الأول في المنظمة ذات الصلة، عادة ما يمتلك هذا الشخص سلطة اتخاذ القرار النهائية في أي قضية رئيسية.
قال توماس «رد فعلي الأولي هو أن هذا يشير إلى أن الرئيس الصيني تشي جين بينغ أكثر قلقاً بشأن الاقتصاد الصيني مما كان عليه قبل مؤتمر الحزب العشرين».
خلال مؤتمر الحزب العام الماضي، حصل الرئيس الصيني على فترة ثالثة في السلطة، وضم فريقه الأول إلى الموالين في عملية اكتساح نظيفة لم نشهدها منذ عهد ماو تسي تونغ قبل عقود.
تكنوقراطي محنك
حصل غونغ شنغ على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة الرينمين في الصين عام 1993، ومنذ ذلك الحين أمضى نحو عقدين من العمل في البنوك الكبيرة المملوكة للدولة، بما في ذلك البنك الصناعي والتجاري للصين، والبنك الزراعي الصيني، كما كان معروفاً في عالم المال الصيني باعتباره الشخص الرئيسي وراء قوائم سوق الأوراق المالية لهذين البنكين في عامي 2006 و2010، والتي سجلت أرقاماً قياسية بشكل منفصل باعتبارها أكبر الاكتتابات الأولية العامة في العالم حينذاك.
من 1997 إلى 1998، كان أستاذاً زائراً في جامعة كامبريدج، في النصف الأول من عام 2011، درس في كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد.
بعد عودته إلى الصين، ترقى إلى نائب محافظ بنك الشعب الصيني في 2012، وبعد ثلاث سنوات أضاف دور رئيس الحزب لإدارة الدولة للنقد الأجنبي.
وحظي بتقدير كبير لإبداء مخاوفه بشأن فقاعة العقارات في الصين قبل سنوات من هبوط القطاع في 2021، كما تعهد مراراً بالحفاظ على استقرار اليوان الصيني، محذراً المضاربين من بيع العملة على المكشوف.
قال توماس إن غونغ شنغ هو تكنوقراطي مالي، -بمعنى أنه اُختير على أساس خبرته- كما أنه ليس من الموالين للرئيس الصيني، ما عزز من المفاجأة التي أحاطت بترقيته.
عقب مؤتمر الحزب، كان العديد من الموالين للرئيس الصيني يميلون إلى تولي مناصب رئيسية في إدارة الاقتصاد، وذلك على الرغم من خبرتهم القليلة في التعامل مع المنظمات المالية الدولية.
ولكن مع بدء التعافي الاقتصادي في الصين، ازدادت الدعوات لمزيد من إجراءات التحفيز لدعم الاقتصاد الصيني في الوقت الحالي.
أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مصادر مجهولة بأن كبار القادة اختاروا في النهاية الترويج لغونغ شنغ بسبب خلفيته الدولية، وتوقعاتهم بإمكانية عمله بسلاسة مع محافظي البنوك المركزية الآخرين.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخزانة مساء الأحد عن زيارة يلين لبكين في وقت لاحق من هذا الأسبوع كجزء من الجهود المستمرة التي تبذلها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتعميق التواصل بين الولايات المتحدة والصين.
لذلك في حالة تعيينه محافظاً لبنك الشعب الصيني، فسيكون أمام مهمة صعبة تتمثل في تعزيز الاقتصاد وسط حالة عدم اليقين العالمية، وإدارة المخاطر المالية المستمدة من سوق الإسكان الضعيف باستمرار ومنع اليوان من تدهور قيمته.
ضربة عميقة لاقتصاد الصين
تعرض الاقتصاد الصيني لضربة عميقة من ثلاث سنوات من قيود الجائحة الصارمة، والتي أضرّت بإنفاق المستهلكين وعطلت إنتاج المصانع.
بعد أن أنهت بكين سياسة صفر كوفيد في ديسمبر كانون الأول، شهد الاقتصاد الصيني انتعاشاً قوياً، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 في المئة في الربع الأول من العام الماضي؛ لكن هذا الزخم تباطأ منذ ذلك الحين.
وكان مؤشر مديري المشتريات الحكومي الرسمي أظهر يوم الجمعة أن قطاع التصنيع يواصل انكماشه، إذ انخفض مؤشر مديري المشتريات غير التصنيعي، وهو مؤشر للنشاط في قطاعي الخدمات والبناء، إلى أضعف مستوى له منذ ديسمبر كانون الأول.
وانخفضت العملة الصينية بسرعة، إذ سجل اليوان أدنى مستوى له في سبعة أشهر يوم الجمعة، وبلغت خسائره خلال العام الجاري نحو 5 في المئة، وأصبحت العملة الآن بعيدة عن أدنى مستوى لها في 15 عاماً في نوفمبر تشرين الثاني.
من جهته، تعهد بنك الشعب الصيني، يوم السبت باستقرار اليوان عند مستوى معقول ومتوازن، وقال في تقريره الفصلي عن السياسة النقدية «سنمنع بحزم مخاطر التقلبات الحادة في سعر الصرف».
(لورا هو ومارثا زو- CNN)