تتمحور ثقافة العمل الأميركية حول العمل لمدة ثماني ساعات يومياً، من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً، ولمدة خمسة أيام في الأسبوع منذ الحرب العالمية الثانية حتى وقتنا الحالي.
ووفقاً للمؤرخ الاقتصادي بنيامين هانيكات، فإن طول يوم العمل تعرَّض لانخفاض مُطرد منذ أواخر القرن الثامن عشر، متخللاً الحرب العالمية الثانية، لافتاً إلى إصابته بانخفاض حادٍّ خلال فترة العشرينيات من القرن الماضي.
ولم تُحدد قاعدة الـ«ثماني ساعات» من قِبل نقابة عمالية واحدة أو صناعة واحدة، بل كانت نتاج مزيج طويل ومعقد من الإجراءات والدعوات العمالية والتسويات السياسية إضافة إلى جهود رواد الأعمال والمنافسة الاقتصادية.
يوم العمل عبر الأزمنة
وبحسب الاقتصادي روبرت وابلز الأستاذ بجامعة ويك فورست الذي أنشأ جدولاً زمنياً مفصلاً حول تطور ساعات العمل في الولايات المتحدة لجمعية التاريخ الاقتصادي، والذي أشار إلى أن العمل لمدة 70 ساعة أسبوعياً خلال القرن التاسع عشر كان أمراً شائعاً، ما يعادل نحو 12 ساعة يومياً.
ولفت ويلز إلى أن عدد ساعات العمل ازداد تدريجياً حتى وصل إلى 84 ساعة أسبوعياً لفئات من العمال، منهم عمال أفران الصلب، ما أدى إلى إضرابهم عام 1919، والذي باء بالفشل، مبيناً أنه عقب أربع سنوات من الإضراب خفضت شركة «يو إس ستيل» عدد ساعات العمل من 12 ساعة إلى ثماني ساعات يومياً.
التوجه إلى ست ساعات يومياً
وتحتل شركة «فورد» الريادة في تخفيض عدد ساعات العمل اليومي، إذ أنشأت أسبوع عمل مدته ثماني ساعات يومياً لمدة خمسة أيام في عام 1926، كما اتجهت لتخفيضها إلى ست ساعات يومياً في فترة «الركود الكبير» الذي حلَّ بأميركا خلال الثلاثينيات من القرن الماضي.
وفي سياق متصل اتبعت شركة «كيللوجز» لحبوب الإفطار نظام المناوبات لمدة ست ساعات يومياً بدلاً من الـ8 ساعات المعتادة، مع تخفيض بأجور العمال.
ووقَّع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على قانون الانتعاش الصناعي الوطني عام 1933 الذي بموجبه يدفع أصحاب الأعمال للعمال حداً أدنى للأجور من 12 إلى 15 دولاراً، وإنشاء مناوبات عمل تتراوح بين 35 و40 ساعة أسبوعياً.
قانون معايير العمل العادلة
صدر قانون معايير العمل العادلة عام 1938، والذي بموجبه تقتصر ساعات العمل الرسمية على ثماني ساعات يومياً لمدة خمسة أيام، إضافةً إلى تحديد الحد الأدنى من الأجور، وإصدار قوانين حماية لعمالة الأطفال، إلى جانب حوافز لمن يعمل لأكثر من 40 ساعة أسبوعياً.
المفاضلة الدائمة بين المال والوقت
لم تَدُم قاعدة الـ6 ساعات يومياً التي وضعتها «كيللوجز» طويلاً حيث بدأ العمال باختيار العمل لمدة ثماني ساعات يومياً في خمسينيات القرن الماضي مع تمسك النساء من العمال بمناوبة الـ6 ساعات.
وأرجع عدد من عمال «كيللوجز» السبب الرئيسي وراء عودتهم للعمل بنظام الـ8 ساعات إلى الحاجة إلى المال التي تتفوق على الحاجة إلى العمل لفترة أقصر.
وتُعدُّ مقايضة الوقت بالمال في زمننا الحالي مناسبة تماماً للطبقة العاملة مع تطور بسيط منذ فترة الجائحة في النظرة إلى مدى استهلاك العمل مقارنةً بالمسؤوليات الاجتماعية التي تتضمن قضاء الوقت مع العائلة.
وتظل تساؤلات الخبراء حول ما إذا كان موظفو الأجيال الحديثة مثل جيل «زد» وجيل «الألفية» قد يتخذون خيارات مختلفة عن الأجيال السابقة، مطروحة على طاولة المناقشة.
(جيان ساهادي- CNN)