رغم دخولها يومها الخامس والعشرين، فإن الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تزداد ضراوةً يوماً بعد آخر، وتتسع رقعة أضرارها لتتجاوز الخسائر البشرية والعسكرية، وتضرب اقتصاد كلتا الدولتين.
ونشر الجيش الإسرائيلي يوم الثلاثاء مقطع فيديو يوثق بداية عملية الاجتياح البري لقطاع غزة، مكثفاً غاراته على القطاع ما يشير إلى إمكانية طول أمد الحرب.
وينذر استمرار الحرب بالمزيد من الخسائر الاقتصادية للجانب الإسرائيلي الذي يعاني بالفعل من صراعات داخلية واسعة بين أحزابه السياسية منذ إعلان حكومة نتنياهو عن التشريع القضائي المثير للجدل، والذي يرى الكثيرون أنه يهدف لإضعاف السلطة القضائية.
الخسائر الاقتصادية لإسرائيل جرّاء الحرب
وفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي، تم تعبئة 360 ألف جندي احتياطي وإجلاء 250 ألف إسرائيلي من منازلهم، ما أثر بشكل مباشر على حجم القوى العاملة المتاحة بالدولة لتكشف العديد من المزارع عن تضررها الشديد من نقص العمالة، هذا في الوقت الذي ألغت فيه العديد من شركات الطيران معظم رحلاتها إلى إسرائيل، ومنحت الشركات إجازة لعشرات الآلاف من موظفيها، بينما خلت المطاعم والمتاجر من العملاء، وتم إغلاق حقل رئيسي للغاز الطبيعي.
وخفض البنك المركزي الإسرائيلي توقعاته لنمو الاقتصاد الذي يقدر حجمه بنحو 500 مليار دولار من 3 في المئة إلى 2.3 في المئة.
وتوقع عدد من خبراء الاقتصاد أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي للدولة العبرية بنحو 15 في المئة مقارنة بانخفاض بنحو 0.4 في المئة فقط خلال الحرب على غزة في عام 2014، و0.5 في المئة خلال الحرب مع لبنان عام 2006.
وفي ظل تصاعد الهجمات ودوي أجراس إنذار الاجتياح البري التي استدعت له إسرائيل مئات الآلاف من المجندين، حدثت فجوة بالقوة العاملة بين المطلوب والمتوفر، إضافةً إلى اختلال سلاسل الإمداد بأسواق المواد الغذائية، كما تراجعت المعاملات النقدية بكروت الائتمان بنحو 12 في المئة على أساس سنوي خلال الأسبوع الماضي بجميع القطاعات ما عدا قطاع الغذاء.
وتخوض إسرائيل بالفعل قتالاً على مستوى منخفض على ثلاث جبهات إضافية –لبنان والضفة الغربية وسوريا- ومن شأن هذا الصراع الطويل متعدد الجبهات أن يجعل تعافي الاقتصاد الإسرائيلي أكثر صعوبة.
وعرضت وزارة المالية الإسرائيلية خطة مساعدات اقتصادية تتضمن منحاً بقيمة مليار دولار للشركات المتضررة من الحرب، لكن الخبراء يرون أن تلك الخطوة ليست كافية في ظل الخسائر الهائلة المتوقعة من جرّاء الصراع.
وكانت وكالات التصنيف الائتماني الشهيرة، فيتش وموديز وستاندرد آند بورز، قد حذَّرت في الأيام الأخيرة من أن تصعيد النزاع قد يؤدي إلى خفض تصنيف الديون السيادية لإسرائيل، وتزامن ذلك مع هبوط الشيكل إلى أدنى مستوى له منذ 14 عاماً، ما دفع البنك المركزي الإسرائيلي لتخصيص 30 مليار دولار لدعم العملة المحلية.
وفي سوق الأسهم، بلغت خسائر مؤشر الأسهم القياسي نحو 10 في المئة منذ بداية العام.
أبرز القطاعات المتضررة
قطاع التشييد والبناء
أدى تلاحُق الرشقات الصاروخية المتكررة من جانب حركة حماس على تل أبيب إلى توقف أعمال البناء والتشييد بالكامل في المدينة، مع التزام عمال البناء بإجراءات أمان أشد حزماً، لكن توقف هذا القطاع الحيوي عن العمل يكبد الحكومة الإسرائيلية خسائر تصل إلى 37 مليون دولار (ما يعادل 150 مليون شيكل) يومياً.
قطاع السياحة والضيافة
تخلو الفنادق الإسرائيلية من السياح تقريباً لأن نصفها أصبح يقطنه اللاجئون القادمون من الجانب الآخر من المدينة، ما يؤثر سلباً على قطاع السياحة الإسرائيلي الذي يسهم بإيرادات ضخمة للاقتصاد المحلي، وأسهمت الإيرادات السياحية بنحو 5.5 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي مقابل 2.2 مليار دولار خلال عام 2021، وفقاً لموقع « سي إي اي سي» للبيانات الاقتصادية.
شركات التكنولوجيا
يُعد قطاع التكنولوجيا في إسرائيل أحد القطاعات الحيوية للاقتصاد المحلي، إذ يسهم بنحو 18 في المئة من إجمالي الناتج المحلي ونحو نصف الصادرات، وشملت عمليات الاستدعاء ما يقرب من 10-15 في المئة من القوة العاملة بالقطاع ما أثر بالسلب على أدائه، لتعلن السلطات عن تخصيص حزمة بـ25 مليون دولار (نحو 100 مليون شيكل) لإعانة الشركات التكنولوجية الناشئة المتأثرة بالتداعيات.
ويعاني قطاع التكنولوجيا في إسرائيل من التباطؤ من قبل الحرب الأخيرة نتيجة الصراعات السياسية الداخلية والاحتجاجات الشعبية المستمرة التي طالت جميع أنحاء البلاد منذ بداية العام الحالي.
إنتاج الغاز الطبيعي
في بداية الحرب، أمرت إسرائيل شركة شيفرون الأميركية بوقف الإنتاج في حقل تمار للغاز، وهو ما يكبد الدولة العبرية نحو 200 مليون دولار شهرياً من الإيرادات المفقودة.
وتعد إسرائيل ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في شرق المتوسط بعد مصر، حيث تنتج في المتوسط 276 مليار قدم مكعبة سنوياً، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
معاناة الاقتصاد الإسرائيلي قبل الحرب
بدأت معاناة الاقتصاد الإسرائيلي قبل نشوب الحرب في غزة بسبب الانقسام الحاد حول الإصلاحات القضائية المقترحة، والتي تسعى لتقليص صلاحيات المحاكم في البلاد، ففي حين ترى الحكومة أن القضاء يتمتع بسلطات أكبر من اللازم، يعتبر المعارضون أن السلطة القضائية هي الأداة المثلى لمراقبة نفوذ السياسيين.
كما أثرت المخاوف بشأن ارتفاع التضخم والتباطؤ العالمي في الاستثمارات التكنولوجية على توقعات النمو الاقتصادي في البلاد.
وظهر ذلك بشكل جلي في انكماش معدلات الاستثمار في الشركات الناشئة الإسرائيلية التي اجتذبت رقماً قياسياً تجاوز 27 مليار دولار في عام 2021، إذ تراجعت بمقدار النصف تقريباً في العام الماضي، وبنسبة 68 في المئة في النصف الأول من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وفقاً لمعهد (ستارت آب نيشن) للسياسات الإسرائيلية.