خلّفت الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حجماً هائلاً من الدمار في قطاع غزة، إذ شهدت الأسابيع الماضية صراعاً ضارياً بين الجانبين منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول الجاري، بعد أن شنت الأخيرة هجوماً على مواقع عسكرية إسرائيلية.
وسرعان ما أصبحت حرب إسرائيل في غزة -الخامسة منذ عام 2007- الأكثر دموية، إذ راح ضحيتها حتى الآن نحو 8306 فلسطينيين، وفقاً لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، وفرضت إسرائيل حصاراً كاملاً على غزة، وقصفتها براً وبحراً وجواً، وقطعت الكهرباء وإمدادات الغذاء والمياه و الإنترنت و الاتصالات عن سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، فماذا تخبرنا الخرائط عن طبيعة الصراع على أرض الواقع؟
دمار هائل في شمال قطاع غزة
في إطار ردها على هجوم حماس، طلبت إسرائيل من المدنيين إخلاء منطقة غزة الواقعة شمال مجرى نهر وادي غزة، وتشمل منطقة الإخلاء مدينة غزة، وهي المنطقة الأكثر كثافة سكانية في القطاع.
ويقدر عدد النازحين داخلياً في غزة بنحو 1.4 مليون شخص، يعيش منهم نحو 671 ألف شخص في 150 ملجأ طوارئ مخصصاً للأونروا، ويشكل الاكتظاظ مصدر قلق متزايد، إذ يصل متوسط عدد النازحين في كل مأوى إلى أكثر من 2.5 مرة من الطاقة الاستيعابية المخصصة، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وتُظهر الخريطة كثافة الأضرار في غزة بناء على تحليل سريع لصور الأقمار الصناعية المؤرخة في 19 أكتوبر تشرين الأول، ويشير التحليل إلى حدوث أضرار جسيمة خاصة في غرب بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون وعبسان في شمال غزة.
وتعرض حي بيت حانون بشمال غزة لأضرار جسيمة منذ بداية الصراع، إذ أصيبت عشرات المباني، بما في ذلك مجمع المدارس، وكان أهالي بيت حانون من بين أول من تلقوا التحذيرات من إسرائيل لمغادرة منازلهم، بعدها شنت الطائرات الإسرائيلية موجات من الغارات الجوية على المنطقة، التي وصفها الجيش الإسرائيلي بأنها «مركز لحماس» إذ انطلقت منها العديد من العمليات ضد إسرائيل.
المدن المدمرة في غزة
ودُمرت نحو 16441 وحدة سكنية حتى يوم 29 أكتوبر تشرين الأول، وتعرضت نحو 150 ألف وحدة سكنية أخرى لأضرار طفيفة إلى متوسطة، ويشكل العدد الإجمالي للوحدات السكنية المدمرة أو المتضررة ما لا يقل عن 45 في المئة من جميع الوحدات السكنية في قطاع غزة، إذ دُمرت أحياء بأكملها.
ويُظهر تحليل الأقمار الصناعية أيضاً الدمار الذي لحق بالمناطق السكنية والمباني المدرسية والمساجد في بيت لاهيا والشجاعية، المنطقة الواقعة بين غزة ومخيم الشاطئ للاجئين، فحتى 21 أكتوبر تشرين الأول تأثر 206 مرافق تعليمية، واستخدم النازحون ثمانياً من هذه المدارس كملاجئ طارئة، وتعرضت إحداها لقصف مباشر، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن ثمانية نازحين وإصابة 40 آخرين.
وأعلن سلاح الجو الإسرائيلي في بيان له الأسبوع الماضي، أن القوات الإسرائيلية أسقطت نحو ستة آلاف قنبلة على غزة خلال الفترة فقط من 7 إلى 12 أكتوبر تشرين الأول.
خريطة غزة و أماكن القصف
الضغط نحو الشمال
خلال الأسبوع الثاني من الصراع، كررت إسرائيل أوامر الإخلاء القسري لشمال غزة -بما في ذلك 22 مستشفى ومركزاً طبياً- على الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية بشأن تأثير ذلك على آلاف المرضى.
ورغم أن منطقة الإخلاء للمدنيين هي الجزء الشمالي من غزة فقط، فإن الغارات الجوية الإسرائيلية استهدفت وسط وجنوب القطاع، وتشير الخرائط الحية إلى أن إسرائيل استهدفت بعشرات الغارات الجوية محافظتي رفح وخان يونس الجنوبيتين ومحافظة دير البلح الوسطى خلال الأسبوع الثاني من النزاع، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى.
ففي 24 ساعة فقط يوم 23 أكتوبر تشرين الأول تُوفي 170 فلسطينياً في المنطقة الوسطى، خاصة في مخيمي البريج والنصيرات وبلدة دير البلح، وأفادت تقارير الأمم المتحدة بأن الغارات الجوية التي أصابت ثلاثة مبانٍ سكنية في خان يونس ورفح أدت إلى مقتل 38 شخصاً.
ووفقاً لتحليل «CNN الاقتصادية» لبيانات مشروع النزاع المسلح وأحداثه، فقد وصل عدد الانفجارات والهجمات والعنف عن بعد في قطاع غزة من 17 هجمة في سبتمبر أيلول الماضي إلى 316 هجمة في أكتوبر تشرين الأول، أي ارتفاع عدد الهجمات بنسبة 1700 في المئة، وانقسمت إلى 282 غارة جوية و34 قصفاً مدفعياً وهجوماً صاروخياً.
انهيار القطاع الصحي في غزة
وسط تحذيرات الأمم المتحدة من أنه لا توجد منطقة آمنة في قطاع غزة يمكن للفلسطينيين الاختباء فيها من الغارات الجوية، بقي آلاف الفلسطينيين في شمال غزة، ولجؤوا إلى المدارس والمستشفيات.
في 19 أكتوبر تشرين الأول، وثقت منظمة الصحة العالمية 62 هجوماً على مرافق الرعاية الصحية، ما أثر على 29 مرفقاً للرعاية الصحية و23 سيارة إسعاف، واضطرت سبعة مستشفيات، جميعها في مدينة غزة وشمال غزة، إلى إغلاق أبوابها بسبب الأضرار التي لحقت بها، ونقص الكهرباء والإمدادات وأوامر الإخلاء.
وكان الحدث الأكثر دموية في غزة منذ بداية الأزمة الحالية وفي الصراع، هو انفجار في المستشفى الأهلي في مدينة غزة ما أدى إلى مقتل أكثر من 470 فلسطينياً وإصابة مئات آخرين، وألقت إسرائيل باللوم في الهجوم على صواريخ الجهاد الإسلامي في فلسطين التي أخطأت في الإطلاق، في حين زعمت حماس أن المستشفى أصيب بغارات جوية إسرائيلية.
وتلقت المستشفيات العاملة في مدينة غزة وشمال غزة، والبالغ عددها 17 مستشفى، دعوات الجيش الإسرائيلي لإخلائها، ما قد يعرض حياة المرضى والمستضعفين للخطر.
يعالج مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وهو الأكبر في القطاع، حالياً نحو خمسة آلاف مريض، وهو ما يفوق بكثير طاقته الاستيعابية البالغة 700 مريض، بالإضافة إلى ما يقرب من وجود 45 ألف نازح يلجؤون داخل المستشفى وحولها، فيما يستوعب مستشفى القدس أكثر من 400 مريض ونحو 12 ألف نازح، ويصل إجمالي حجم النازحين إلى أكثر من 101 ألف شخص يقيمون في المستشفيات والكنائس والمباني العامة الأخرى.
وهذه المستشفيات وغيرها على وشك الانهيار بسبب نقص الكهرباء والأدوية والمعدات والكوادر المتخصصة.
المياه والكهرباء.. حياة أو موت
استناداً إلى بيانات فييرس (VIIRS)، وهي صور الأقمار الصناعية للإضاءة الليلة وتُستخدم لتقييم كهرباء المناطق ومراقبة الكوارث والصراعات، استمرت إمدادات الطاقة في قطاع غزة في الانخفاض بعد 7 أكتوبر تشرين الأول 2023 بنسبة تزيد على 90 في المئة مقارنة بإنتاج الطاقة في يوم 6 من الشهر نفسه 2023، ومن بين محافظات قطاع غزة الخمس، كانت محافظة رفح الأقل انخفاضاً في إمدادات الطاقة وفقاً لمركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية.
ومنذ 11 أكتوبر تشرين الأول، تعاني غزة من انقطاع كامل للكهرباء، في أعقاب وقف إسرائيل إمدادات الكهرباء والوقود إلى غزة، الأمر الذي أدى بدوره إلى إغلاق محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع الواقعة في دير البلح جنوب منطقة الإخلاء.
وأجبر ذلك البنية التحتية الخدمية الأساسية على الاعتماد على المولدات الاحتياطية، المحدودة بالفعل بسبب ندرة الوقود في القطاع.
وأصبح النقص الحاد في المياه في غزة في أعقاب الحصار الإسرائيلي الكامل للقطاع مسألة حياة أو موت، وفقاً للأمم المتحدة.
فقبل الصراع الحالي كان معدل استهلاك المواطن الفلسطيني 83.1 لتر في اليوم مقابل متوسط 250 لتراً للإسرائيلي، وهو أقل من المعدل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والبالغ 100 لتر يومياً، وفي الوقت الحالي تقدر منظمة الصحة العالمية أن متوسط استهلاك المياه في غزة يبلغ ثلاثة لترات فقط للشخص الواحد.
ويعتمد نحو 97 في المئة من سكان غزة على صهاريج المياه الخاصة غير المنظمة ومحطات تحلية المياه صغيرة الحجم، التي غالباً ما تعمل بالطاقة الشمسية، للحصول على مياه الشرب، وفقاً للبنك الدولي.
ولا تعمل محطات تحلية مياه البحر الثلاث في غزة حالياً، حيث كانت تنتج قبل الصراع الدائر الآن سبعة في المئة من إمدادات المياه في غزة، في حين أن عدداً قليلاً من مصادر المياه الجوفية البلدية تعمل بمستويات منخفضة، وتوقفت عمليات نقل المياه بالشاحنات في معظم المناطق بسبب نقص الوقود وانعدام الأمن وانسداد الطرق بسبب الأنقاض.