(CNN الاقتصادية)

يقترب طلب مصر الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي من مرحلته الأخيرة بمناقشة يجريها المجلس التنفيذي للصندوق يوم الجمعة 16 ديسمبر كانون الأول بعد مفاوضات بين الجانبين استمرت نحو تسعة أشهر، ووسط حالة من الترقب وعدم التيقن تغذيها تكهنات بمزيد من التراجع في قيمة العملة المحلية.

ففي مارس آذار الماضي، أعلن الصندوق أن القاهرة طلبت المساعدة لمواجهة تداعيات حرب أوكرانيا على الاقتصاد المصري. واستمرت النقاشات بين الجانبين حتى أعلن الصندوق التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء في نهاية أكتوبر تشرين الأول، في خطوة سبقها خفض جديد لسعر صرف الجنيه المصري مع رفع لأسعار الفائدة.

تعاني مصر نقصًا حادًا في العملة الصعبة منذ نشوب حرب أوكرانيا التي أججت أسعار السلع الغذائية عالميًا والتي تعتمد مصر على استيرادها من الخارج، بجانب تراجع موارد البلاد من السياحة، إذ يشكل الروس والأوكرانيون نسبة كبيرة من زوار المنتجعات المصرية.

يتزامن ذلك مع موجة غلاء أسعار، ترجع بدرجة كبيرة إلى انخفاض قيمة العملة المحلية في بلد شديد الاعتماد على الاستيراد.

لكن ماذا تعني الموافقة على القرض؟

توقع فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري والمسؤول السابق بصندوق النقد، أن تصرف مصر الشريحة الأولى من القرض، والتي تقدر بنحو 750 مليون دولار، فور موافقة الصندوق.

وأضاف لـ CNN الاقتصادية أن مصر ستحصل أيضًا على دفعة واحدة تبلغ مليار دولار من صندوق المرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد.

وتتوقع مذكرة بحثية لبنك (بي إن بي باريبا) الفرنسي أن يوافق الصندوق على القرض الجديد، لكن تستبعد أن يكون الصرف الفعلي للشريحة الأولى من القرض قبل أن يتخذ البنك المركزي المصري تحركًا أكثر حسمًا نحو نظام سعر صرف مرن يقلل الفجوة بين السعر الرسمي للجنيه في البنوك المصرية والسعر في السوق الموازية.

كانت مصر خفضت العملة مرتين، في مارس آذار ثم في أكتوبر تشرين الأول، ليبلغ سعر صرف الجنيه حاليًا نحو 24.60 جنيه للدولار، من مستوى عند حوالي 15.6 جنيه قبل خفض مارس آذار، وهو مستوى لم يكد يبارحه منذ نوفمبر تشرين الثاني 2020.

ويتوقع (بي إن بي باريبا) أن يسجل الدولار 33 جنيهًا مصريًا في نهاية العام الحالي، ثم يستمر في الارتفاع إلى 37 جنيهًا خلال الربع الأول من 2023.

ويتوقع البنك أيضًا أن يستمر نشاط السوق الموازية حتى الربع الثاني من العام الجاري 2022.

تشهد الأشهر الأخيرة عودة لنشاط السوق الموازية التي كادت تختفي إثر خفض قيمة الجنيه بمقدار النصف، والذي جرى في 2016 في إطار حزمة إصلاحات اقتصادية وكان متزامنًا أيضا مع برنامج قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

وبحسب متعاملين، يدور سعر الدولار في السوق الموازية بين 34 و36 جنيها اليوم.

موافقة صندوق النقد على إقراض مصر تتيح لها أيضًا خمسة مليارات دولار إضافية من خلال عدد من المؤسسات الدولية والإقليمية التمويلية والتنموية، وفقًا لما ذكره الصندوق في بيان أكتوبر تشرين الأول.

وقال الفقي إن مصر توصلت إلى اتفاقات مع مؤسسات دولية، مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير والبنك الإفريقي للتنمية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار، للحصول على خمسة مليارات دولار من أجل استكمال سد فجوة تمويلية يقدرها الصندوق بتسعة مليارات دولار.

وستكون لموافقة الصندوق إذا صدرت يوم الجمعة عدة تبعات اقتصادية، بحسب وائل زيادة، الرئيس التنفيذي لشركة زيلا كابيتال للاستثمارات المالية.

وقال زيادة إن الأموال التي ستحصل عليها مصر ستنتشلها من أزمة نقص العملة الصعبة الحالية والتي دفعتها للجوء إلى الصندوق، مضيفًا أن موافقة الصندوق تعني أيضًا شهادة ضمان اقتصادي لأي استثمارات خارجية قد تتلقاها مصر، سواء إلى البورصة أو كاستثمارات أجنبية مباشرة.

هل يرفض الصندوق؟

تشهد الأسابيع الأخيرة اتساعا متزايدا في الهوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازية، مما أثار تكهنات واسعة بشأن خفض جديد لقيمة العملة، وألقى بظلال من الشك على فرص الموافقة على القرض دون إجراءات جديدة لتقليل تلك الفجوة.

لكن أحمد كجوك، نائب وزير المالية المصري، بدا واثقا في نيل موافقة الصندوق، في تصريحات نقلتها عنه رويترز الأسبوع الماضي، معتبرا أن اجتماع اللجنة التنفيذية «تحصيل حاصل».

واتفق معه في الرأي الفقي وزيادة اللذان اعتبرا أن توصل مصر إلى اتفاق على مستوى الخبراء يعني عمليًا موافقة الصندوق، حتى قبل صدور الموافقة النهائية من مجلسه التنفيذي.

وقال زيادة إن المجلس قد يطلب تعديلات على الاتفاقات التي توصل لها الخبراء مع الحكومة المصرية، أو قد يعدل مواعيد شرائح صرف القرض، لكن من المؤكد أن يوافق لأن مصر اجتازت بالفعل المرحلة الأصعب المتمثلة في الاتفاق على مستوى الخبراء.

وفضلا عن برنامج 2016 البالغة قيمته 12 مليار دولار وكان لثلاث سنوات، حصلت مصر في 2020، ونتيجة لتداعيات أزمة كورونا، على قرض في إطار آلية التمويل السريع بقيمة 2.77 مليار دولار، ثم قرض آخر ضمن برنامج الاستعداد الائتماني بقيمة 5.2 مليار دولار.

وبخلاف هذه القروض حصلت القاهرة في أغسطس آب 2021 على دعم بقيمة 2.8 مليار دولار من مخصصات السحب الخاصة التي وزعها صندوق النقد على الدول الأعضاء في إطار جهود مواجهة تداعيات كورونا.

مرت مصر إذن بهذا المنعطف ذاته مرارا من قبل، لكن المختلف هذه المرة هو حالة الترقب غير المسبوقة لاجتماع الصندوق، وما قد يتبع ذلك من إجراءات وقرارات ستنفذها الحكومة المصرية، وقد لا تحظى بقبول عام.