تحول حلم الهجرة إلى كندا بهدف الاستقرار المعيشي إلى معركة للبقاء في ظل الارتفاع المتزايد في تكاليف المعيشة -خاصة تكلفة السكن- ونقص الوحدات السكنية المتاحة للإيجار، ما دفع العديد من الوافدين الجدد إلى التخلي عن هذا الحلم.

ويمثّل المهاجرون أهمية كبيرة للاقتصاد الكندي، إذ يعتبرهم رئيس الوزراء جاستن ترودو، أحد أسلحته الرئيسية في مواجهة شيخوخة المجتمع الكندي وتباطؤ عدد السكان بالدولة، فضلاً عن دوره في دعم النمو الاقتصادي.

الهجرة إلى كندا.. هل تفقد زخمها؟

وقد أدت السياسات الحكومية الداعمة للهجرة إلى نمو عدد سكان كندا بأسرع وتيرة له منذ أكثر من ستة عقود هذا العام، وفقاً لهيئة الإحصاء الكندية.

لكن يبدو أن تأثير تلك السياسات قد يبدأ بالتلاشي تدريجياً تحت وطأة التحديات الاقتصادية المتزايدة.

فقد أظهرت بيانات رسمية أن كندا لم تعد تعيش أزهى عصورها فيما يتعلق بالهجرة، إذ غادر البلاد نحو 42 ألف شخص خلال أول ستة أشهر من العام الجاري، مقابل نحو 94 ألف شخص في 2022، و85 ألف شخص في 2021.

وسجل معدل المهاجرين الذين يغادرون البلاد أعلى مستوى له منذ عقدين في عام 2019، وفقاً لتقرير حديث صادر عن معهد المواطنة الكندية.

وعلى الرغم من انخفاض نسبة المغادرين في أثناء فترة الجائحة، فإن بيانات هيئة الإحصاء الكندية تشير إلى عودتها للارتفاع من جديد.

وفي حين أن أعداد المغادرين لا تمثّل سوى جزء صغير من أعداد المهاجرين الوافدين إلى البلاد خلال الفترة نفسها والتي تُقدر بـ263 ألف شخص، فإن الارتفاع المطرد في معدلات المغادرة يثير قلق المراقبين.

فبالنسبة لدولة قائمة على المهاجرين، يُعد التوجه السائد حالياً بمغادرة كندا تقويضاً لإحدى السياسات الرئيسية للحكومة الكندية التي منحت الإقامة الدائمة لنحو 2.5 مليون شخص في ثماني سنوات فقط.

لماذا تقل جاذبية الهجرة إلى كندا؟

يبدو أن الهجرة إلى كندا تواجه العديد من التحديات، أبرزها الارتفاع القياسي في تكاليف السكن التي اعتبرها المهاجرون السبب الأكبر للتفكير في الانتقال إلى بلد جديد.

ففي المتوسط، تحتاج الأسرة الكندية إلى إنفاق نحو 60 في المئة من دخلها لتغطية تكاليف ملكية المنازل، وترتفع هذه النسبة إلى 98 في المئة في مدينة فانكوفر، و80 في المئة في تورونتو، وفقاً لتقرير رويال بنك أوف كندا في سبتمبر أيلول الماضي.

وفي عام 2020، حلّت كندا في المرتبة الثامنة على قائمة الدول العشرين الأكثر جذباً للمهاجرين في العالم، والتي تصدّرتها الولايات المتحدة الأميركية التي تستضيف نحو 18 في المئة من إجمالي العدد العالمي للمهاجرين، وفقاً لتقرير الهجرة العالمية الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة.

وجاءت ألمانيا في المرتبة الثانية تعقبها المملكة العربية السعودية التي قفزت من المرتبة الثامنة في عام 2000 (بنحو 5.3 مليون وافد) إلى المركز الثالث في عام 2020 (بنحو 13.5 مليون وافد).

وشملت القائمة ثلاث دول عربية أخرى هي الإمارات (المركز الـ6)، والأردن (المركز الـ18)، والكويت (المركز الـ20).

الهجرة والاقتصاد الكندي

يسهم المهاجرون بشكلٍ مباشر في دعم الاقتصاد الكندي، ليس فقط من خلال سد الفجوات في القوى العاملة ودفع الضرائب، ولكن أيضاً من خلال إنفاق الأموال على السلع والإسكان والنقل. وبفضل الهجرة، تستمر معدلات القوى العاملة في كندا في النمو سنوياً.

ونظراً لأن العديد من المهاجرين إلى كندا من رواد الأعمال، فإنهم يوفرون المزيد من الوظائف في سوق العمل، فضلاً عن تحسين العلاقات التجارية لكندا مع الدول الأخرى، وفقاً لما أوردته الحكومة الكندية.

بدورهم، يسهم الطلاب الدوليون بأكثر من 21 مليار دولار سنوياً في الاقتصاد الكندي من خلال إنفاقهم على الرسوم الدراسية، ما يشكل نسبة أكبر من صادرات كندا من قطع غيار السيارات أو الخشب أو الطائرات.

ووفقاً لبيانات الحكومة الكندية، فقد حصل 827.586 طالباً دولياً على تصاريح الدراسة في كندا في عام 2019، بينما هاجر أكثر من 58 ألف طالب دولي سابق إلى كندا بشكل دائم.