استغرق الأمر 13 عاماً حتى يرتفع عدد سكان العالم بنحو مليار نسمة، لكن مع التباطؤ الذي يشهده عدد سكان العالم فإن الأمر سيستغرق أكثر من 37 عاماً ليزداد بنحو ملياري نسمة، وفقاً لتقديرات مكتب الإحصاء الأميركي.

وصل عدد سكان العالم إلى ثمانية مليارات نسمة في 26 سبتمبر أيلول الماضي، وفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي، بينما تشير تقديرات شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم بلغ هذا التعداد في 15 نوفمبر تشرين الثاني 2022، إذاً لماذا هذا التضارب؟

يرجح مكتب الإحصاء الأميركي عدم إمكانية الوصول إلى الرقم الحقيقي لعدد سكان العالم 2023؛ نظراً لأن عدداً من بلدان العالم الأكثر اكتظاظاً بالسكان مثل الهند ونيجيريا لم تُجرِ تعدادات سكانية لأكثر من عشر سنوات، وتفتقر بلدان أخرى إلى أنظمة التسجيل المدني والإحصاءات الحيوية التي تسجل بدقة الولادات والوفيات بين سكانها.

لكن ما زالت التقديرات متقاربة إلى حد ما، والسبب تباطؤ نمو عدد سكان العالم الذي استمر على مدار عقود منذ ستينيات القرن الماضي، بعدما بلغ ذروته آنذاك، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 10.2 مليار نسمة بحلول عام 2060.

عدد سكان العالم العربي

قد تبدو هذه المؤشرات لتباطؤ نمو عدد سكان العالم غريبة إلى حد ما، خاصة عندما يتعلق الأمر بعدد سكان العالم العربي أو سكان بعض الدول الآسيوية مثل الهند التي أصبحت الأعلى من حيث التعداد السكاني، أو الصين التي سيطرت على صدارة سكان العالم لسنوات طويلة.

من أصل ثمانية مليارات نسمة، يبلغ عدد سكان العالم العربي نحو 468 مليون نسمة في 2023، بينما يبلغ عدد سكان مصر وحدها 112.7 مليون نسمة خلال العام الجاري، وفقاً لأحدث إحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان.

عند اكتظاظ الدول بالسكان وارتفاع نسب المواليد، فإن الأمر ينعكس على الاقتصاد، خاصة في ما يتعلق بالتضخم والاستهلاك، فضلاً عن الإنتاجية في العمل ونسب البطالة، لكن مع ارتفاع عدد سكان مصر على سبيل المثال، فالمؤشرات توضح معاناة مصر من انخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار، ونقص حاد في العملة الصعبة، إذ يشهد تدبير الدولار من البنوك للعمليات التجارية صعوبة، وتعمل الحكومة المصرية على توفير الدولار عبر بيع حصص في شركات حكومية مصرية.

ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية في مصر بدأت الشركات العاملة في مصر التكيُّف مع الوضع وتغيير أنماط التوظيف لتتناسب مع الظروف، ومع ذلك فقد رفعت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية تقديراتها لنمو الاقتصاد المصري للعام المالي الحالي، ليصل إلى 4.8 في المئة، مقابل 4.1 في المئة، وفق تقرير الاقتصاد الكلي (مذكرة البطالة) الصادر عن الوزارة.

أسباب تباطؤ نمو سكان العالم

يقيم نحو 74 في المئة من سكان الأرض في بلدان منخفضة الخصوبة، وفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي، لكن من المتوقع أن يستمر عدد سكان العالم في النمو على الرغم من انخفاض معدلات الخصوبة، علماً أن عدد الرضع بلغ ذروته بالفعل في عام 2017، لذلك سيأتي النمو السكاني في المستقبل من مجموعات أكبر من الناس في سن البلوغ، في ظاهرة يسميها الديموغرافيون (الزخم السكاني).

وكان انخفاض معدلات نمو السكان في عدد من بقاع العالم بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي -مع ظهور وسائل تحديد النسل- دون انخفاض في إجمالي عدد السكان، بسبب تعويض الفارق في عدد السكان عن طريق استقبال المهاجرين، ومن المتوقع أن تُصبح الهجرة هي المحرك الوحيد للنمو السكاني في البلدان ذات الدخل المرتفع.

ومع انخفاض الخصوبة، هناك عدد أقل نسبياً من الشباب وعدد أكبر من كبار السن، إذ انخفضت نسبة السكان في الأعمار الصغيرة، ويبلغ عمر 10 في المئة من سكان العالم 65 عاماً أو أكبر، ومن المتوقع أن تتضاعف حصتهم إلى 20 في المئة بحلول عام 2060.

ومن المتوقع أن تتضاعف نسبة السكان الذين تفوق أعمارهم 65 عاماً من 12 في المئة إلى 22 في المئة بين عامَي 2015 و2050، وفقاً لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية في أكتوبر تشرين الأول 2022.

نتيجةً لذلك، فإن متوسط العمر يتغير، واليوم يبلغ متوسط العمر العالمي 32 عاماً؛ ولكن بحلول عام 2060 من المتوقع أن يرتفع متوسط العمر العالمي إلى 39 عاماً.

انقراض العالم

تخشى بعض الدول سيناريوهات أسوأ، وبدأ البعض في ترديد مصطلح انقراض العالم أو انقراض البشر، فمثلاً انخفض عدد المواليد في ألمانيا العام الماضي بنسبة 5.6 في المئة مقارنة بالمتوسط للأعوام من 2019 إلى 2021، وانخفض بنسبة 7.1 في المئة عن عام 2021.

وأفاد المكتب الفيدرالي للإحصاء بأن أعداد المواليد ظلت عند مستوى منخفض في بداية عام 2023، إذ تشير الأرقام المؤقتة إلى أن ما يقرب من 162 ألف طفل وُلدوا في الربع الأول من عام 2023، وهو انخفاض بنسبة 4.8 في المئة مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي حين وصل عدد المواليد إلى 170 ألف طفل.

وفي فرنسا، زاد عدد السكان الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً بشكل كبير، إذ بلغوا 13.94 مليون في عام 2022، وتخطت نسبة الأشخاص الذين تصل أعمارهم إلى 75 أو أكثر، 10 في المئة من مجمل تعداد سكان فرنسا مطلع العام الجاري.

أما اليابان، فقد استقبلت نحو 799 ألف مولوداً فقط في عام 2022، وهو أقل رقم مسجل على الإطلاق، وأول انخفاض عن 800 ألف، وفقاً لإحصاءات وزارة الصحة اليابانية، إضافةً إلى التضخم في أعداد المسنين، ما دفع السلطات إلى سن قوانين لجذب الشباب إلى بعض القرى التي أصبحت خالية من الأطفال والشباب.

وفي كوريا الجنوبية، يبلغ معدل الخصوبة 0.9 طفل لكل امرأة، وهو معدل أقل بكثير من مستوى الإحلال البالغ 2.1 مولود لكل امرأة.

معاناة مع أزمة المناخ

تأتي معدلات النمو السكاني المشار إليها، بالتزامن مع تفاقم أزمة المناخ وارتفاع درجات الحرارة، ورجّحت دراسة حول التكلفة البشرية للاحتباس العالمي أن الانبعاثات الكربونية الحالية تهدد حيوات الأفراد بحلول نهاية القرن، وتعرضهم لدرجات حرارة مرتفعة غير مسبوقة.

وكانت منظمة الصحة العالمية أشارت إلى إمكانية ارتفاع عدد الوفيات في العالم إلى نحو 250 ألف حالة بين عامي 2030 و2050 بسبب تغير المناخ، ما ينتج عنه انعدام الأمن الغذائي و انتشار الأمراض، ما انعكس على التوقعات الخاصة بعدد سكان العالم.

كما قُدرت التكاليف الصحية المباشرة الناجمة عن تغير المناخ بما يصل إلى أربعة مليارات دولار سنوياً.