يأتي عام 2024 محمَّلاً بآمال لإنهاء حالة عدم اليقين التي خلَّفها عام 2022 عقب جائحة كورونا، وما أعقبها من حالة عدم المساواة في التعافي التي شهدها عام 2023، إذ يزداد الفقراء فقراً، وأصبحت التهديدات أكثر ضراوة من أي وقت مضى في ظل أزمات اللاجئين، والصراعات، و تغير المناخ، وانعدام الأمن الغذائي.
من جهته، أوضح البنك الدولي في تقرير حديث أن هذه الأزمات المتعددة زادت تعقيدات جهود التنمية، مشيراً إلى تحوّل تركيزه صوب كيفية معالجة المخاوف التي تواجه الناس والكوكب، إضافة إلى دعم الازدهار والبنية التحتية الرقمية على أفضل وجه.
ماذا ينتظر عام 2024 من تحديات؟
في البداية، يستوجب الاستعداد لاستقبال عام 2024 بالتعمق فيما وصل إليه 2023، سواء من معدلات فقر، أو الديون التي تقع على عاتق الدول، أو تغير المناخ الذي شهد بدوره إنجازاً تاريخياً في الإعلان عن اتفاق الإمارات الخاص بالوقود الأحفوري في ختام مؤتمر (كوب 28).
معدلات الفقر
يستقبل عام 2024، معدلات متفاقمة من الفقر المدقع في الدول الهشة والأشد احتياجاً، بسبب الصراع أو أعمال العنف، الأمر الذي جعل هذه المعدلات أسوأ من نظيرتها قبل الجائحة، ما يصعّب إمكانية تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فوفقاً لبيانات البنك الدولي، فإن ما يقرب من 700 مليون شخص حول العالم يعيشون حالياً في فقر مدقع، ما يعني أنهم يعيشون تحت خط الفقر البالغ 2.15 دولار في اليوم على الأقل، وذلك بعدما انخفض هذا العدد بين عامي 2010 و2019، بنسبة 40 في المئة.
بالطبع، تأثر عدد الفقراء في العالم بالجائحة التي شكَّلت انتكاسة كبيرة بعد المكاسب التي تحققت بشق الأنفُس، وبعد 3 أعوام من التقدم من أجل الحد من الفقر، عاد عدد الفقراء ليرتفع، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
بالنسبة إلى الدول العربية، فإنه على الرغم من وجود دولة عربية ضمن قائمة أغنى دول العالم، وهي قطر التي يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للدولة نحو 81.9 ألف دولار، فإن دولاً مثل سوريا ولبنان لا تتوفر لها بيانات.
كما يقترب الناتج المحلي الإجمالي لدول مثل العراق وليبيا من نحو 5.8 ألف دولار للفرد، بينما يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الأردن إلى نحو 4.8 ألف دولار، والمغرب يصل نصيب الفرد لنحو 3.9 ألف دولار، أما مصر فيبلغ نصيب الفرد نحو 3.7 ألف دولار ومن المنتظر أن يقل نصيب الفرد أكثر في عام 2024، مع تدهور عملتها المحلية، والأزمات الاقتصادية التي تلاحقها، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
ويواجه نحو 783 مليون شخص شبح الجوع المزمن، إذ تضافرت الصراعات والصدمات الاقتصادية والظواهر المناخية المتطرفة وارتفاع أسعار الأسمدة بعضها مع بعض، لتولد أزمة غذائية ذات أبعاد غير مسبوقة، وفقاً لبيانات برنامج الأغذية العالمي.
الديون الخارجية
شهد عام 2023 تبعات ارتفاع المخاطر المرتبطة بالديون الخارجية لدى الدول النامية، بما يشمل الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل، إلا أن الضغوط كانت تشتد بالنسبة لأشد دول العالم فقراً التي تعرضت لضغوط بسبب ارتفاع مدفوعات خدمة الديون.
كانت الدول النامية أنفقت مبلغاً قياسياً، نحو 443.5 مليار دولار، على خدمة ديونها الخارجية العامة والديون المضمونة من الحكومة في عام 2022، ويواجه أفقر الناس في العالم خطر أزمات الديون مع ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وعلى الرغم من انخفاض حدة الديون الخارجية للعديد من المناطق العالمية، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حجم الديون، إذ بلغ نحو 431 مليار دولار في 2022، بعدما كان 421 في 2021.
وتوقع تقرير لصندوق النقد الدولي، ارتفاع تكاليف خدمة الديون الإجمالية لأفقر 24 دولة في عامي 2023 و2024 بنسبة تصل إلى 39 في المئة، وعلى الرغم من ثبات نسب الديون الخارجية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 43 في المئة خلال الفترة بين عامي 2021 و2023، فقد توقعت بيانات ريفينيتيف أن تصل نسبة الديون إلى نحو 44.6 في المئة خلال 2024.
تغير المناخ
إن تغير المناخ لا يترك أي شخص أو اقتصاد في مأمن من الضرر، ومن الممكن أن يدفع 216 مليون شخص إلى الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050، فضلاً عن زيادة الإجهاد المائي وخفض غلال المحاصيل، خاصة في المناطق الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي في العالم، علماً بأن أنظمة الأغذية الزراعية مسؤولة عن ثلث إجمالي الانبعاثات، وفقاً لما أورده البنك الدولي.
لذلك يشكل توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، والاستثمار في الكهرباء على نطاق واسع، مع تجنب بناء محطات جديدة للفحم وإيقاف المحطات القديمة، أهمية بالغة لتوفير الطاقة النظيفة لتشغيل المنازل والمدارس والمستشفيات والشركات.
ووفقاً لتقرير البنك الدولي، فإن الدول ذات الدخل المرتفع تُنتج نحو 31 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة، على الرغم من أنها تمثل 16 في المئة فقط من سكان العالم.
من جهتها، تصدرت الصين قائمة الدول التي تنتج انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 26.4 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، تليها الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 12.5 في المئة، والهند في المركز الثالث بنحو 7.1 في المئة، والاتحاد الأوروبي بنسبة 7 في المئة.
وتوقع مكتب الأرصاد الجوية البريطاني، أن يتراوح متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية لعام 2024 بين 1.34 و1.58 درجة مئوية، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز.
أسواق السلع وأسعار الغذاء
وفقاً لأحدث تقرير لآفاق أسواق السلع الأساسية، فإن التصعيد الحالي بين إسرائيل وحماس، الذي يأتي في أعقاب الاضطرابات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا؛ يمكن أن يدفع أسواق السلع الأساسية العالمية إلى المجهول.
وانخفضت أسعار السلع الأساسية العالمية بنحو 25 في المئة في عام 2023 مقارنة بعام 2022، وهو أكبر انخفاض منذ الجائحة.
وأدى بدء الصراع في غزة في أوائل أكتوبر تشرين الأول إلى ارتفاع في الأسعار، على الرغم من أن التأثير كان محدوداً حتى الآن فإن أسعار معظم السلع الأساسية لا تزال أعلى من متوسطها.
ومن المتوقع أن ينخفض سعر النفط إلى متوسط 81 دولاراً للبرميل في 2024 مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، كما يُنتظر أن تنخفض أسعار السلع الأساسية بشكل عام بنسبة 4.1 في المئة خلال 2024.
وأفاد تقرير البنك الدولي بتوقعات حول انخفاض أسعار السلع الزراعية أيضاً مع ارتفاع الإمدادات، على أن تنخفض أسعار المعادن الأساسية أيضاً بنسبة 5 في المئة.