لم يشهد عام 2023 نقصاً في أخبار تغير المناخ، إذ أدى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق إلى تداعيات مناخية متطرفة، ما اضطر العلماء إلى إصدار تحذيرات شديدة اللهجة من استمرار هذه التداعيات خلال 2024، بالتزامن مع استمرار التلوث الكربوني.

تسبب تغير المناخ خلال العام الحالي في العديد من الأزمات، فعلى سبيل المثال اعتبرت خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ سبتمبر أيلول الماضي شهراً للكوارث الطبيعية.

كان سبتمبر أيلول 2023 الأكثر جفافاً على الإطلاق، كما جلب وحده فيضانات مدمرة أدت إلى مقتل الآلاف في ليبيا والعشرات في اليونان وبلغاريا وتركيا، فضلاً عن حرائق غابات غير مسبوقة في كندا، واحتراق أجزاء من أميركا الجنوبية بسبب درجات الحرارة القياسية.

أسباب التفاؤل رغم تغير المناخ

في الواقع هناك 5 أسباب قد تدعوك إلى التفاؤل فيما يخص أزمة تغير المناخ، فهناك بارقة أمل، فوسط هذه الأجواء القاتمة كانت هناك أيضاً علامات على التقدم، إذ شهد العام تسجيل أرقام قياسية في مجال الطاقة المتجددة، كما احتفل بأحد أعظم انتصاراته البيئية عندما اتخذت الدول خطوة حذرة لكنها تاريخية نحو مستقبل خالٍ من الوقود الأحفوري في كوب 28.

طفرة في الطاقة المتجددة

مع تزايد الحاجة إلى التخلص بسرعة من الوقود الأحفوري، ظهرت بعض النقاط الإيجابية في مجال الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم، ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية فإن عام 2023 يسير على الطريق الصحيح نحو أكبر زيادة في قدرة الطاقة المتجددة.

من جهتها، بدأت البرتغال سلسلة من الأرقام القياسية، ولأكثر من ستة أيام متتالية (في الفترة من 31 أكتوبر تشرين الأول إلى 6 نوفمبر تشرين الثاني) اعتمدت الدولة التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة على مصادر الطاقة المتجددة فقط، ما يشكل مثالاً مثيراً لبقية العالم.

بدورها، حققت الصين تقدماً هائلاً في مجال مصادر الطاقة المتجددة، ويتوقع أن تحطم هدفها في مجال طاقة الرياح والطاقة الشمسية قبل خمس سنوات؛ إذ وجد تقرير نُشر في يونيو حزيران أن قدرة الصين في مجال الطاقة الشمسية أصبحت الآن أكبر من بقية دول العالم مجتمعة.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن الصين عززت أيضاً إنتاجها من الفحم خلال العام الحالي، وتحولت إلى الوقود الأحفوري، فقد أدت موجات الحرارة المدمرة إلى زيادة الطلب على الطاقة لتكييف الهواء والتبريد، فضلاً عن تأثير الجفاف المستمر في جنوبي البلاد على إمدادات الطاقة الكهرومائية، التي تعتمد على كمية كافية من الأمطار.

وقد تزايدت الآمال بأن إنتاج الفحم في البلاد سيصل إلى ذروته ثم ينخفض قريباً، عندما أعلنت الصين والولايات المتحدة في نوفمبر تشرين الثاني أنهما ستستأنفان التعاون بشأن تغير المناخ، وتعهدتا بزيادة كبيرة في الطاقة المتجددة؛ بهدف استبدال الوقود الأحفوري.

اتفاق مناخي يستهدف الوقود الأحفوري

بعد أكثر من أسبوعين من المفاوضات المشحونة، اختُتمت قمة المناخ ( كوب 28) التي عُقدت في دبي بتعهد نحو 200 دولة بالتزام غير مسبوق بالابتعاد عن الوقود الأحفوري.

رئيس (كوب 28) سلطان الجابر، والرئيس التنفيذي للقمة عدنان أمين، والأمين التنفيذي للأمم المتحدة لتغير المناخ سيمون ستيل، فور الإعلان عن اتفاق الإمارات
رئيس (كوب 28) سلطان الجابر، والرئيس التنفيذي للقمة عدنان أمين، والأمين التنفيذي للأمم المتحدة لتغير المناخ سيمون ستيل، فور الإعلان عن اتفاق الإمارات.

وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يصل إلى مستوى مطالبة العالم بالتخلص التدريجي من الفحم والنفط والغاز -الذي دعمته أكثر من 100 دولة- فإنه دعا إلى المساهمة في الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها مؤتمرات الأطراف جميع أنواع الوقود الأحفوري، وهو المحرك الرئيسي لأزمة تغير المناخ.

ووصف رئيس مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) سلطان الجابر، الذي ترأس المفاوضات، الاتفاقية بأنها «تاريخية»، مضيفاً أنها «تمثل نقلة نوعية لديها القدرة على إعادة تعريف اقتصاداتنا».

ويعتمد مدى تأثير اتفاق الإمارات في نهاية المطاف على ما ستفعله هذه الدول بعد ذلك لتنفيذه والالتزام به، بينما حذر العديد من الخبراء من الثغرات التي يمكن أن تترك الباب مفتوحاً أمام التوسع المستمر في الوقود الأحفوري؛ لكن التوصل إلى اتفاق كان موضع ترحيب على نطاق واسع.

تراجع إزالة الغابات في البرازيل

أخيراً، أحرزت البرازيل تقدماً جيداً خلال العام الحالي في الحد من تدمير الغابات، خاصة بعد سنوات من إزالة الغابات بشكل كبير في منطقة الأمازون.

تعد غابات الأمازون أكبر الغابات المطيرة في العالم، لذلك فإن حمايتها أمر حيوي للحد من تغير المناخ، إذ تعمل الغابات على امتصاص الكربون من الغلاف الجوي.

لذلك عند تدمير الغابات أو الأشجار تنبعث غازات دفيئة، علماً أن إزالة الغابات وتدهور الأراضي مسؤولان عمّا لا يقل عن عُشر التلوث الكربوني في العالم.

انخفضت إزالة الغابات في البرازيل بنسبة 22.3 في المئة في الأشهر الاثني عشر حتى يوليو تموز، وفقاً لبيانات من الحكومة الوطنية، إذ بدأ الرئيس لويس إغناسيو لولا دا سيلفا في إحراز تقدم في تعهده بكبح جماح تدمير الغابات المتفشي.

ومع ذلك، ظل معدل إزالة الغابات في البرازيل ما يقرب من ضعف المعدل الذي سجله في عام 2012، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق، إذ تدمر نحو 9 آلاف كيلومتر مربع من الغابات المطيرة في هذه الفترة.

لذلك يظل أمامنا طريق طويل للوفاء بتعهد لولا بالوصول إلى الصفر من إزالة الغابات بحلول عام 2030.

تعافي طبقة الأوزون

أعلنت لجنة من الخبراء تدعمها الأمم المتحدة في يناير كانون الثاني الماضي أن طبقة الأوزون على الأرض في طريقها للتعافي بشكل كامل خلال عقود، مع التخلص التدريجي من المواد الكيميائية المتسببة في ثقب طبقة الأوزون في جميع أنحاء العالم.

الأوزون فوق القطب الجنوبي، الألوان الأرجوانية والزرقاء تعبر عن النسب الأقل، والصفراء والحمراء هي الأعلى (ناسا)
الأوزون فوق القطب الجنوبي، اللونان الأرجواني والأزرق يعبران عن النسب الأقل، والأصفر والأحمر هي الأعلى. (ناسا)

تحمي طبقة الأوزون الكوكب من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، لكن منذ الثمانينيات حذر العلماء من وجود ثقب في هذا الدرع بسبب المواد الضارة بالأوزون، بما في ذلك مركبات الكلوروفلوروكربون، التي كانت تستخدم على نطاق واسع في الثلاجات والأيروسول والمذيبات.

وقد ساعد التعاون الدولي في وقف الضرر، بدأت الصفقة المعروفة باسم بروتوكول مونتريال -التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1989- في التخلص التدريجي من مركبات الكربون.

ووجد التقييم أنه إذا ظلت السياسات العالمية قائمة، فمن المتوقع أن تتعافى طبقة الأوزون بحلول عام 2040 بالنسبة لمعظم أنحاء العالم.

أما بالنسبة للمناطق القطبية، فإن الإطار الزمني للتعافي أطول إلى حد ما، إذ يتوقع أن تتعافى طبقة الأوزون في عام 2045 فوق القطب الشمالي وفي عام 2066 فوق القطب الجنوبي.

ومع ذلك، ألقت دراسة نشرتها (نايتشر كوميونيكيشنز) في نوفمبر تشرين الثاني بعض الشكوك حول هذا التقدم، إذ أظهرت أن الثقب في طبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية أصبح أعمق خلال معظم فصل الربيع؛ لكن بعض العلماء شككوا في نتائج هذه الدراسة، قائلين إنها اعتمدت على فترة زمنية قصيرة للغاية لاستخلاص استنتاجات حول صحة الطبقة على المدى الطويل.

ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية

ارتفعت شعبية السيارات الكهربائية خلال العام الحالي، مع وصول المبيعات الأميركية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، إلى جانب رواجها في الصين وأوروبا.

بالطبع، تعتبر السيارات الكهربائية أفضل لكوكب الأرض مقارنة بالسيارات التي تعمل بالغاز والديزل، فهي المفتاح لإزالة الكربون من وسائل النقل البري، المسؤولة عن نحو سدس التلوث الناتج عن تسخين الكوكب على مستوى العالم، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.

اشترى الأميركيون مليون سيارة كهربائية بالكامل في عام 2023، وهو رقم قياسي سنوي، وفقاً لتقرير صادر عن بلومبيرغ.

وشكلت السيارات الكهربائية نحو 8 في المئة من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من عام 2023، بحسب التقرير.

وفي الصين، شكلت السيارات الكهربائية 19 في المئة من إجمالي مبيعات السيارات، كما شكلت 15 في المئة من مبيعات سيارات الركاب الجديدة في جميع أنحاء العالم.

وفي أوروبا، ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 47 في المئة، في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، وفقاً لبيانات من جمعية مصنعي السيارات الأوروبية.

ومع ذلك، فقد حذر تجار السيارات من انخفاض المبيعات، إذ ينتظر المستهلكون نماذج أرخص متوقعة في غضون الفترة من عامين إلى ثلاثة أعوام.