في الظروف الاعتيادية، يحاول المستثمر رسم صورة واضحة لاقتصاد دولة أو أداء شركة عبر تحليل البيانات والمؤشرات الاقتصادية، ولكن في حالة الصين لم تعد تلك المعطيات قادرة على مساعدة الأسواق في توقع ما يحدث في بكين، فمع اتجاه الحكومة برئاسة شي جين بينغ في عام 2020 لفرض إجراءات تنظيمية صارمة ضد قطاع العقارات المثقل بنسب ديون مرتفعة، بدأت الأسواق تنهار، ومنذ وقتها أصحبت تصريحات و«نوايا» النخبة الحاكمة هي المحرك الرئيس -وربما الوحيد- لثاني أكبر اقتصاد في العالم.

الاجتماع الكبير

تعتزم الصين كشف النقاب عن أهدافها للنمو الاقتصادي لعام 2024 وتوضيح خططها لمساندة اقتصادها الذي يواجه بطئاً، وذلك خلال أهم فعاليتها السياسية السنوية التي تنعقد هذا الأسبوع، فمن المقرر أن يقدم رئيس الوزراء، لي كيانغ، تقرير الحكومة في الاجتماع السنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب غداً الثلاثاء، ويطمح المسؤولون إلى تخطيط مسار للنهوض من جديد بعد عام كان مليئاً بالتحديات، حيث عانى الاقتصاد من تباطؤ وأزمة في القطاع العقاري لا تزال مستمرة، بالإضافة إلى زيادة الديون وتسرب رؤوس الأموال الأجنبية.

فخلال نوفمبر تشرين الثاني الماضي، أقدم الرئيس الصيني شي جين بينغ على تعزيز الدعم من خلال إصدار ديون سيادية إضافية، ورفع نسبة العجز في الميزانية، وقام بزيارة غير مسبوقة إلى البنك المركزي.

بعدها مباشرة وافقت الهيئة التشريعية للدولة على خطة لرفع نسبة العجز المالي لعام 2023 إلى نحو 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة 3% التي حددتها الحكومة في مارس آذار من العام الماضي والتي كانت تعتبرها عموماً حداً أقصى للدولة.

كذلك شملت الخطة إصدار ديون سيادية إضافية بقيمة تريليون يوان (ما يعادل 137 مليار دولار) خلال الربع الأخير لتعزيز جهود إغاثة الكوارث والمشاريع الإنشائية، وهذا مع الأخذ في الاعتبار أن الصين نادراً ما تعدل الميزانية في منتصف العام، وسبق أن أقدمت على ذلك فقط في فترات شملت عام 2008، في أعقاب زلزال سيتشوان وفي أعقاب الأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينيات.

وفي مطلع هذا العام، اتخذت الصين سلسلة من الإجراءات التحفيزية التي شملت قطاعات متنوعة:

– في 5 يناير كانون الثاني، نشر البنك المركزي والإدارة الوطنية للتنظيم المالي إرشادات لدعم تطوير سوق الإسكان الإيجاري، تضمنت تشجيع البنوك على تقديم قروض للمطورين والمناطق الصناعية.

– في 16 يناير كانون الثاني، تمت دراسة إصدار ديون جديدة بقيمة تريليون يوان ضمن خطة السندات السيادية الخاصة لتمويل مشاريع في مجالات الغذاء والطاقة وسلاسل التوريد.

– في 23 يناير كانون الثاني، خُصص نحو تريليوني يوان لشراء الأسهم محلياً عبر رابط بورصة هونغ كونغ كجزء من حزمة إنقاذ لسوق الأسهم.

– في 24 يناير كانون الثاني، أعلن محافظ بنك الشعب الصيني عن خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي بمقدار 0.5 نقطة مئوية لإطلاق سيولة طويلة الأجل بقيمة تريليون يوان في السوق، وأعلن أيضاً عن تعميق الروابط المالية بين الصين وهونغ كونغ، بالإضافة إلى تسهيل شراء العقارات وتوسيع برنامج الاستثمارات الشخصية في منطقة الخليج الكبير.

– وفي 28 يناير كانون الثاني، تم تقييد إقراض الأوراق المالية للبيع على المكشوف في مسعى لتحديد حد أدنى لتراجع سوق الأسهم، حيث تم منع المستثمرين الاستراتيجيين من إقراض الأسهم خلال فترات الحظر المتفق عليها.

أسواق غير مقتنعة

على الرغم من الإجراءات التحفيزية المتسارعة من الحكومة، فإن رويترز نقلت عن مصادرها أن القادة الصينيين اجتمعوا في نوفمبر تشرين الثاني وناقشوا ما سيقدمونه إلى البرلمان في ديسمبر كانون الأول، حيث وافقوا على أن يبلغ عجز الميزانية 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، وبدورها تلك النسبة التي تقل عن مستهدف العام الماضي تشير إلى رغبة بكين في الحفاظ على الانضباط المالي وعدم النظر في حزمة تحفيز مالي كبيرة للعام المقبل.

ومنذ بداية فبراير شباط، وعلى الرغم من ارتفاع مؤشرات الأسهم بعد موجة من التراجعات العنيفة، تظل الارتفاعات «ضئيلة» مقارنةً بموجة الخسائر الطويلة والممتدة منذ عام 2021، ومدى استدامة هذه المكاسب يبقى معلقاً على إجابة سؤال واحد.. «هل ستنجو الصين من اختبار الأسواق في اجتماعات يوم غد»؟