تدهورت التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة لعام 2023 تحت وطأة معدلات التضخم المرتفعة والتشديد النقدي السريع من قبل الاحتياطي الفيدرالي، مما أثار مخاوف عالمية من إمكانية اتجاه الاقتصاد الأميركي إلى الركود في العام المقبل، فهل يستطيع الاقتصاد الذي أثبت مرونته خلال الأشهر الماضية الصمود أمام هذه الاحتمالات؟
الاحتياطي الفيدرالي وأسعار الفائدة
رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بأكثر وتيرة عدوانية منذ الثمانينات في محاولة لمكافحة التضخم، إذ وافق صانعو السياسة بالفعل على سبع زيادات متتالية في أسعار الفائدة، ليرتفع معدل الفائدة من قرب المستويات الصفرية في مارس/آذار، إلى النطاق 4.25 – 4.5 في المئة الآن.
وفي تقرير التطلعات الاقتصادية الصادر عقب اجتماع ديسمبر/ كانون الأول، توقع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل حاد العام المقبل، مع ارتفاع معدل البطالة إلى مستوى 4.6 في المئة من 3.7 في المئة حاليًا، وهذا يعني زيادة بنحو 1.6 مليون عاطل عن العمل.
ورغم أن المسؤولين أشاروا إلى وقف محتمل لرفع أسعار الفائدة لعدة أشهر العام المقبل، إلا أنهم توقعوا زيادة معدل الفائدة إلى المستوى 5.1 في المئة في عام 2023، قبل تراجعه من جديد إلى 4.1 في المئة في 2024، مما يعزز توقعات مشاهدة المزيد من زيادات أسعار الفائدة خلال الاجتماعات المقبلة.
البيت الأبيض وتفاؤل حذر بشأن الاقتصاد
على الجانب الآخر، ورغم مخاوف الأسواق التي تلوح في الأفق حيال الاقتصاد الأميركي، يثق مسؤولو البيت الأبيض بشأن قدرة الاقتصاد على الصمود في وجه العاصفة خلال عام 2023.
وقالت أفيفا آرون داين، نائبة مدير المجلس الاقتصادي الوطني للبيت الأبيض، لشبكة لـ«سي أن أن»: «نشعر بتفاؤل حذر لأننا بدأنا نرى بعض علامات التقدم الملموسة الحقيقية والقابلة للقياس».
وأشارت الخبيرة الاقتصادية في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى مجموعة من المؤشرات التي تُظهر أن التضخم هدأ، وأن الأجور الحقيقية ارتفعت، وأن سوق العمل قد تحدى توقعات الركود.
ومن بين المؤشرات المُشار إليها من قبل آرون داين، أظهر أحدث مؤشر لثقة المستهلك الأميركي الصادر عن «كونفرنس بورد» هذا الشهر قفزة كبيرة مقارنة بشهر نوفمبر/ تشرين الثاني، بدعم من تراجع أسعار الغاز إلى أدنى مستوياتها في 17 شهرًا.
كما أضاف الاقتصاد الأميركي 263 ألف وظيفة في نوفمبر/ تشرين الثاني، مما يشير إلى أن وتيرة ارتفاع الوظائف لا تزال جيدة للغاية، بحسب آرون داين.
وأعلنت وزارة العمل، يوم الخميس، ارتفاعاً طفيفاً في طلبات إعانة البطالة الأميركية في الأسبوع الأخير وظلت بالقرب من أدنى مستوياتها في شهرين.
ومع ذلك، حذر بعض الاقتصاديين – بمن فيهم اقتصاديو الاحتياطي الفيدرالي – من أن هذا الاتجاه يوشك على التغيّر بسبب الضغط المستمر من ارتفاع تكاليف الاقتراض.
توقعات البنوك الاستثمارية
يخشى الاقتصاديون لدى البنوك الاستثمارية الكبرى ركود اقتصاد الولايات المتحدة مع استمرار ارتفاع التضخم والتزام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة، مما قد يجبر المستهلكين والشركات في نهاية المطاف على التراجع عن الإنفاق.
وبحسب التوقعات التي نقلتها وكالة «رويترز» عن البنوك الاستثمارية، يتوقع كل من بنك «باركليز»، و«بي إن بي باريباس» انكماش اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة 0.1 في المئة العام المقبل، مقابل توقعات «بنك أوف أميركا» بانكماش يصل إلى 0.4 في المئة.
وعلى جانب آخر، يرى كل بنك «مورغان ستانلي» و«يو بي إس» و«سيتي غروب» من بين آخرين، نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 بنسبة أقل من نقطة مئوية، فيما يتوقع «جيه بي مورغان» و«غولدمان ساكس» نمو الاقتصاد بنقطة مئوية واحدة.
ويرجح «مورغان ستانلي» أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة لأول مرة بحلول ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، متوقعًا ارتفاع معدل الفائدة إلى 4.375 في المئة في نهاية هذا العام.
في غضون ذلك، يتوقع بنك «باركليز» أن يتراوح معدل الفائدة بين 4.25 في المئة و4.50 في المئة بنهاية العام المقبل، في حين يرى «دويتشه بنك» أن يصل المعدل إلى 4.625 في المئة بعد خفض سعر الفائدة.
وفي ما يخص التضخم، توقع بنك «يو بي إس» اقتراب معدل التضخم من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المئة بحلول نهاية عام 2023، مما يدفع البنك للنظر في خفض أسعار الفائدة.
هذا ويتوقع «ويلز فارجو» بدء الاحتياطي الفيدرالي دورة التيسير النقدي في أوائل عام 2024، بينما يرى «بنك أوف أميركا» وصول معدل الفائدة إلى النطاق بين 2.75 في المئة و3 في المئة بنهاية عام 2024.
ماذا تنتظر الأسواق الفترة المقبلة؟
تخلو المفكرة الاقتصادية في الولايات المتحدة من البيانات المهمة والمؤثرة على الأسواق حتى بداية العام المقبل، على أن يصدر محضر الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في الرابع من يناير/ كانون الأول، ومن المتوقع أن تتابعه الأسواق بحثًا عن أي دلائل بشأن قرار السياسة النقدية القادم.
وحتى اجتماع البنك المركزي المقبل في الأول من فبراير/ شباط، سيراقب مسؤولو البنك البيانات الاقتصادية عن كثب، والتي تبدأ مع بيانات سوق العمل الأميركي في السادس من يناير/ كانون الثاني، تليها بيانات مؤشر أسعار المستهلكين المنتظر صدوره في الثاني عشر من الشهر نفسه.