تعهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإنفاق أكثر من 11.5 تريليون روبل (ما يعادل 125 مليار دولار) على قطاعات الرهن العقاري، والإعفاءات الضريبية للآباء الشباب، وتطوير البنى التحتية، في الوقت الذي يتجه فيه الروس للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الروسية على مدار ثلاثة أيام.
جاء ذلك في خطاب ألقاه بوتين الشهر الماضي، موضحاً أن الاقتصاد الروسي في 2023 نما بمعدل أسرع من أي دولة أخرى بمجموعة السبع التي فرضت العقوبات على موسكو؛ بسبب الغزو على أوكرانيا؛ وفقاً لرويترز.
من جهتها، قالت الإعلامية الاقتصادية والسياسية في سبوتنيك، نغم كباس، لـ«CNN الاقتصادية»، «منذ بدء العقوبات، اعتبرت روسيا أنها في مواجهة اقتصادية لا تقل أهمية عن المواجهة العسكرية؛ لذلك وضعت خطة نفذتها منذ اليوم الأول للعملية العسكرية في أوكرانيا؛ وتدل المؤشرات الاقتصادية أنها نجحت، إذ أقر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الروسي يُظهر معدلات نمو أفضل من المتوقع، خاصة أنها تواجه مئات العقوبات التي لم تصدر بحق دولة في التاريخ».
وأضافت «أن روسيا حققت نمواً في 2023 بلغت نسبته 3.6 في المئة أي أعلى من المتوسط العالمي لتصبح الأولى في أوروبا التي تعاني اقتصاداتها من تراجع في النمو بسبب التكلفة الباهظة للمساعدات الأوكرانية، وخسارتها موارد الطاقة الروسية بأسعار منافسة».
الأوضاع المعيشية
بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الروسي نحو 14 ألف دولار سنوياً في 2014، لكنه واصل الانخفاض في السنوات التي أعقبت ذلك، حتى بلغ 11.26 ألف دولار في عام 2018، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
وبعد وصوله ذروته في عام 2022، مسجلاً 15.64 ألف دولار، عاد لينخفض إلى 13.32 ألف دولار في عام 2024، لكن يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاعه بشكل طفيف بحلول عام 2028 ليصل إلى 14.04 ألف دولار.
انخفض عدد الروس الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 9.3 في المئة خلال 2023 من 12.9 في المئة بنهاية 2017، ويُحدد خط الفقر في روسيا بنحو 156.57 دولاراً شهرياً، وفقاً لرويترز.
على جانب آخر، ارتفع معدل التضخم إلى 7.4 في المئة في عام 2023، وواصل ارتفاعه هذا العام ليبلغ ذروته في فبراير شباط مسجلاً 7.7 في المئة، وفقاً لأحدث بيانات ريفينيتيف.
وأفادت كباس أن «الحكومة الروسية تدرك جيداً أن هذه أكثر المشكلات إلحاحاً؛ خاصة لدى الأسر الكبيرة، وتسعى إلى تحسين الأرقام المتعلقة بالفقر الذي يؤثر في أكثر من 9 في المئة من المواطنين الروس، وشدد الرئيس بوتين على تحقيق مستوى أقل من 7 في المئة بحلول عام 2030، وخفضه بين الأسر الكبيرة إلى 12 في المئة».
وتعهد بويتن بمنح المناطق التي ينخفض فيها معدل المواليد مساعدات لا تقل عن 75 مليار روبل (825 مليون دولار)، وتمديد الرهن العقاري العائلي حتى 2030.
وأضافت كباس «حالياً، شهد عالم الأعمال ارتفاع عدد رجال الأعمال الشباب بنسبة 20 في المئة في العام الماضي؛ وهذا يدل على وجود طاقات بشرية تساعد في إطلاق مشاريع توفر فرص العمل وتزيد من النمو الاقتصادي الذي نما بالفعل في يناير كانون الثاني الماضي بنسبة 4.6 في المئة على أساس سنوي».
الصناعات الدفاعية
انخفضت صادرات الأسلحة الروسية بنسبة 53 في المئة بين عامي 2014 و2023، وبينما صدرت أسلحتها إلى 31 دولة في 2019، فقد انخفض هذا العدد إلى 12 دولة فقط في 2023، وفقاً لتقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وتراجعت روسيا في قائمة أكبر مصدري الأسلحة عالمياً إلى المركز الثالث، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن معظم الدول الأوروبية أعضاء في حلف شمال الأطلسي وشركاء في تطوير معدات عسكرية مثل الطائرة المقاتلة إف-35. كما ركزت بكين -التي كانت مشترياً رئيسياً للأسلحة الروسية- على إنتاجها الخاص؛ لكنها تظل تمثّل 21 في المئة من الصادرات الروسية.
وقالت كباس إن «الشركة المصدرة للسلاح، أكدت أن نحو 50 في المئة من محفظة طلبات الشركة تتكون اليوم من دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتبلغ اليوم أكثر من 55 مليار دولار، وهو رقم قياسي على مدار الثلاثة وعشرين عاماً الأخيرة».
مرونة الاقتصاد الروسي
تسعى موسكو إلى تغيير نهجها الاقتصادي، وأكدت كباس «أن روسيا لا تريد الاعتماد على مبيعات الأسلحة فقط، بل تريد تحقيق المرونة والتوازن في الاقتصاد لأن أي اقتصاد يعتمد على مصدر دخل واحد سيعاني حتماً من الركود، وبعد العقوبات رأت الحكومة الروسية أنه من الضروري تغيير النهج الاقتصادي والخروج من عباءة النفط والغاز والأسلحة فقط؛ والاتجاه نحو الثروات الطبيعية والمعدنية والزراعية».
كما تخطط روسيا لخفض حصة الواردات إلى 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وزيادة منتجات الذكاء الاصطناعي لترتفع حصة منتجات التكنولوجيا المحلية في السوق على مدى 6 سنوات، وفقاً لما قالته كباس.
من جهته، وجّه بوتين بزيادة حجم الصادرات الروسية غير المتعلقة بالطاقة مثل المواد الغذائية والمعادن والأسمدة والآلات والمعدات بما لا يقل عن الثلثين، وشهد الناتج المحلي الإجمالي الروسي انخفاضاً كبيراً، لكنه عاد ليرتفع بنسبة 4.6 في المئة في يناير كانون الثاني 2024.
إنتاج النفط
وفقاً لتحليل بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإن صادرات روسيا من النفط إلى الاتحاد الأوروبي انخفضت من 3.3 مليون برميل يومياً في 2021، إلى 2.9 مليون برميل يومياً في 2022، وانخفضت بوتيرة أسرع في عام 2023 إلى 0.6 مليون برميل يومياً.
أما المملكة المتحدة وأميركا، فكانت وارداتهما من النفط الروسي تبلغ 0.6 مليون برميل يومياً في 2021، و0.1 مليون برميل يومياً في 2022، إلى أن توقفت تماماً بحلول العام الماضي.
لكن على جانب آخر، ارتفعت صادرات روسيا من النفط إلى تركيا، والصين، والهند التي بدورها استوردت نحو 1.9 مليون برميل يومياً في 2023.
ووفقاً لتقرير حديث لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن إنتاج النفط الخام في روسيا بلغ 10.1 مليون برميل يومياً في 2023، وبحسب وزارة المالية الروسية، ارتفعت إيرادات النفط والغاز الروسية في فبراير الماضي بأكثر من 80 في المئة على أساس سنوي.
وأوضحت كباس أن «روسيا دولة غازية أكثر مما هي نفطية، ورغم ذلك فقد زادت صادراتها من حوامل الطاقة والمحروقات بواقع 56 مليار دولار في 2023؛ ما يؤكد أهمية روسيا في سوق الطاقة العالمية».
وأضافت أن «صادرات روسيا إلى دول صديقة والاتحاد الأوروبي بلغت في العام الماضي 218.3 مليار دولار، بينما كانت في الفترة بين عامي 2019 و2021 عند 162.4 مليار دولار، أي أنها حققت زيادة بنسبة 34.4 في المئة مقارنة بقترة ما قبل العقوبات».
وأكدت كباس أن موسكو عززت من إمدادات النفط والغاز والفحم لدول صديقة مثل تركيا، والصين، والهند، والبرازيل، وإندونيسيا، وماليزيا، إذ بلغت العام الماضي 187 مليار دولار، إضافة إلى أن تحالف أوبك بلس ساعدها في الحفاظ على أسعار النفط وضمان إيرادات الميزانية عبر تخفيضات الإنتاج.
ورغم حظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الروسي بالناقلات المباشرة، فإنه يحصل على النفط الروسي عبر الهند التي أصبحت المورّد الرئيسي الجديد لأوروبا حسب إحصائيات وزارة التجارة والصناعة الهندية وإدارة معلومات الطاقة بوزارة الطاقة الأميركية.
وعلى الرغم من الأزمة في البحر الأحمر وهجمات الحوثيين، فإن الهند نقلت 1.7 مليون طن من وقود الديزل المستخلص من النفط الروسي إلى أوروبا، في ديسمبر كانون الأول الماضي.
وحسب بيانات يوروستات، بلغت قيمة مشتريات الاتحاد الأوروبي من النفط والغاز من روسيا العام الماضي 29 مليار يورو، فيما وصلت مشتريات المشتقات النفطية الروسية إلى 4.2 مليون طن بقيمة 3.1 مليار يورو.
وكذلك باعت روسيا لتركيا منتجات نفطية بنحو 11 مليار دولار، بينما أصبحت المصدر الأول لواردات النفط للصين، وبحسب هيئة الجمارك الصينية، زادت روسيا صادراتها من الغاز المسال وغاز الأنابيب والنفط إلى الصين بنحو 8 ملايين طن مقابل 5.18 مليار دولار، وبالتالي لا تجد روسيا صعوبة في إيجاد أسواق لنفطها، وفقاً لكباس.
القمح كقوة ناعمة
تتراوح صادرات القمح الروسي شهرياً بحراً ما بين 2.0 و4.5 مليون طن، بمتوسط 3.5 مليون طن، وفقاً لقاعدة بيانات الزراعة الأجنبية بالولايات المتحدة، بينما قدر الخبراء إنتاج روسيا من القمح بنحو 92 مليون طن متري.
قالت كابس «ليست روسيا فقط من تعتمد على إيرادات الحبوب والقمح بل العالم بأسره الذي يحتاج إلى هذه الحبوب؛ لأن روسيا المصدر الأول للحبوب في العالم، وتتوسط الدول العشرين المصدّرة للمواد الغذائية عالمياً، وبدون الالتزام بصفقاتها مع الدول تموت شعوب تلك الدول جوعاً؛ لأنها لن تستطيع تأمين القمح بالجودة الروسية نفسها والسعر المنافس، ورأينا تداعيات فرض العقوبات، إذ ارتفعت أسعار الخبز في بعض الدول، وذلك لأن روسيا توفر نحو 60 مليون طن من القمح لأسواق الغذاء العالمية».
وأوضحت أن «روسيا خسرت نحو مليار و200 مليون دولار، عندما دخلت صفقة الحبوب عبر البحر الأسود دعماً للدول الفقيرة، وهذا ما أكده رئيس اتحاد الحبوب الروسي، أركادي زلوتشيفسكي».
واختتمت كباس حديثها قائلة «من نجح في تحقيق هذا النمو رغم الضغط الهائل، أعتقد أنه يستطيع الاستمرار بهذا النهج، حتى أن الرئيس بوتين قال إنه يخطط ليصبح الاقتصاد الروسي الرابع عالمياً، وبرأيي روسيا لديها كل الموارد والإمكانيات لتحقيق ذلك».