مرَّ أكثر من أسبوع على أسوأ أعمال عنف شهدها إقليم كاليدونيا الجديدة التابع لإدارة فرنسا منذ الثمانينيات، ما عزز المخاوف من التداعيات الاقتصادية لهذه التوترات وبخاصة على سوق النيكل العالمية.
وفي زيارة للإقليم استهدفت تهدئة التوترات يوم الخميس، حذَّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الضرر الاقتصادي الهائل جراء أعمال الشغب، كما لفت إلى أن مواقع التعدين من بين المواقع الأكثر تضرراً في الجزيرة الواقعة جنوبي المحيط الهادئ.
وتعتبر جزيرة كاليدونيا الجديدة، الواقعة تحت الحكم الفرنسي منذ أكثر من 170 عاماً، منتجاً عالمياً رئيسياً للمعادن الرئيسية اللازمة لصنع بطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، إذ إنها احتلت المرتبة الثالثة ضمن أكبر منتجي النيكل في العالم في عام 2023، بحسب بيانات ريفنتيف.
ما سبب التوترات في كاليدونيا؟
ترجع التوترات في كاليدونيا الجديدة لعقود من الصراع بشأن قضية استقلال الجزيرة بين شعب الكاناك (السكان الأصليين) وأحفاد المستعمرين وغيرهم ممن استقروا في الإقليم ويريدون إبقاءه كجزء من فرنسا.
وكان من المتوقع أن تحصل كاليدونيا الجديدة على استقلالها خلال الفترة من عام 2015 إلى 2019، لكن صوت أكثر من 96.50 في المئة ضد الاستقلال عن فرنسا في استفتاء في 2021، ومنذ ذلك الوقت يسعى الكاناك لإجراء استفتاء جديد.
واندلعت أعمال الشغب في الرابع عشر من مايو أيار 2024، بعد أن وافق المشرعون الفرنسيون على تغييرات في الدستور الفرنسي من شأنها السماح للمقيمين الذين عاشوا في كاليدونيا الجديدة لمدة 10 سنوات بالتصويت في الانتخابات الإقليمية، بينما يخشى المعارضون أن يفيد هذا الإجراء السياسيين المؤيدين لفرنسا في كاليدونيا الجديدة، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وأدت الاضطرابات إلى مقتل ستة أشخاص وتركت سلسلة من المتاجر المنهوبة بالإضافة إلى السيارات والشركات المحترقة، ومع فرض حالة الطوارئ على الجزيرة، قال ماكرون إنه سيبقى هناك ثلاث من قوات الأمن الإضافية، حتى خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس إذا لزم الأمر.
كيف يتأثر سوق النيكل؟
يطلق على كاليدونيا الجديدة اسم «جزيرة النيكل»، وهو معدن يستخدم بشكل رئيسي في الفولاذ المقاوم للصدأ ويستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية، وتمتلك الجزيرة خامس أكبر احتياطي من المعدن في العالم، بعد إندونيسيا وأستراليا والبرازيل وروسيا.
وبسبب الاضطرابات التي يشهدها الإقليم، توقفت معظم المناجم عن العمل، في حين أبلغت الشركات عن أضرار ناجمة قد تؤثر على حجم الإنتاج من معدن النيكل، ما دفع أسعار المعدن للارتفاع بقوة خلال هذا الأسبوع.
وقفزت أسعار النيكل في بورصة لندن للمعادن إلى أعلى مستوياتها في تسعة أشهر، قبل أن تنخفض الأسعار مرة أخرى إلى 20366 دولاراً للطن عند تسوية تعاملات يوم الأربعاء 22 مايو 2024، وسط مخاوف من تداعيات انخفاض إنتاج كاليدونيا الجديدة على الفائض العالمي من النيكل.
يأتي ذلك في الوقت الذي تواجه فيه كاليدونيا الجديدة منافسة شديدة من الموردين الأرخص، إذ برزت إندونيسيا بسرعة وتصدرت قائمة الدول المنتجة للنيكل، مع استحواذها على أكثر من نصف النيكل المستخرج في جميع أنحاء العالم في عام 2023.
ضغوط تواجه اقتصاد الجزيرة
تتعرض صناعة النيكل لتحديات عديدة من قبل اشتعال التوترات، إذ ظل إنتاج كاليدونيا الجديدة أقل من طاقته الكاملة قبل أعمال الشغب، ويتوقع تقرير لوكالة رويترز أن تتراجع أسعار النيكل على المدى الطويل بفضل النمو المستمر في العرض الإندونيسي، ما قد يؤثر على القطاع الذي يعاني بالفعل.
وخسرت الشركات الرئيسية الثلاث في صناعة النيكل بكاليدونيا (كيه إن إس وبي إر إن سي، وإس إل إن) الكثير من الأموال على مدار العقد الماضي، واضطروا للاعتماد على الدعم المالي من المساهمين من القطاع الخاص والدولة الفرنسية، إذ قدمت الأخيرة 700 مليون يورو نحو 759 مليون دولار خلال الفترة بين 2016 و2023، وفقاً للتقرير.
وإلى جانب النيكل، تمتلك كاليدونيا الجديدة مساحة صغيرة فقط من الأراضي صالحة للزراعة، ويمثل الغذاء نحو 20 في المئة من وارداتها، بحسب تحليل لشركة موديز أنالتيكس، ما يجعلها بحاجة إلى الدعم المالي الذي تقدمه فرنسا للإقليم.
ويشكل الدعم المالي الكبير من فرنسا -الذي يعادل أكثر من 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي- جنباً إلى جنب مع السياحة عوامل أساسية لصحة الاقتصاد، وفي ظل أعمال العنف والشغب قد يكون قطاع السياحة متضرراً آخر ضحية للصراع القائم.