قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مؤخراً إن سوق العمل تبدو الآن كما كانت قبل أن تقلب جائحة كوفيد موازين الاقتصاد بشكل كبير، لكن هذا التصريح قد لا يكون دقيقاً تماماً، وفقاً لكبير الاقتصاديين في شركة «زيب ريكروتر».
وقال باول في مؤتمر صحفي، يوم الأربعاء الماضي بعد قرار المركزي «بشكل عام، تشير مجموعة واسعة من المؤشرات إلى أن الظروف في سوق العمل عادت إلى ما كانت عليه عشية الجائحة، وهي ضيقة نسبياً ولكنها ليست مضطربة»، وأشار البنك إلى أنه يخطط لخفض أسعار الفائدة مرة واحدة فقط خلال العام الجاري.
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي إن سوق العمل وصلت إلى «توازن أفضل» خلال السنوات القليلة الماضية، إذ رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بوتيرة قوية مما يقرب من الصفر بدءاً من مارس آذار 2022، وهو ما يتوافق مع ما تظهره الإحصاءات الحكومية الرسمية.
وجاءت نسبة فرص العمل المتاحة إلى عدد العاطلين الباحثين عن عمل -وهو مقياس يستشهد به باول بشكل متكرر لتوضيح مدى ضيق سوق العمل- الآن 1.2 إلى واحد، بانخفاض من 2 إلى 1 في ربيع عام 2022.
كما انخفض عدد طلبات الحصول على إعانة البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ 53 عاماً في عام 2022، ما يعكس سوق العمل الضيقة عادةً، لكنها اتجهت نحو الارتفاع منذ ذلك الحين وعادت الآن تقريباً إلى المستويات التي شوهدت في السنوات الخمس التي سبقت الجائحة، كما أن معدل ترك الأميركيين وظائفهم عاد أيضاً إلى مستويات ما قبل الجائحة.
وصحيح أن سوق العمل في الولايات المتحدة اليوم تعمل بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في أعقاب الجائحة مباشرة، عندما شهد الاقتصاد عودة مذهلة من الركود القصير في عام 2020.. وقال باول إن الأمر مجرد مسألة «تفكيك مستمر» للاضطرابات المرتبطة بالجائحة في كل من العرض والطلب.
ومع ذلك، تختلف سوق العمل لعام 2024 عن عام 2019 في عدة جوانب رئيسية، وقد لا تتغير هذه العوامل في أي وقت قريب.
تحدث برنامج بودكاست «بيفور ذا بيل» التابع لشبكة «CNN» مع جوليا بولاك، كبيرة الاقتصاديين في موقع الوظائف «زيب ريكروتر»، حول وجهات نظرها بشأن سوق العمل.
وبسؤالها عمّا إذا كانت تتفق مع وجهة نظر جيروم باول بأن سوق العمل اليوم قد عادت إلى وضعها الطبيعي قبل الجائحة، قالت «لا، أود أن أقول إن هذا ليس الوضع الطبيعي، لكنه وضع طبيعي جديد ويتسم ببعض الاختلافات الرئيسية».
وأضافت بولاك «ما زلنا نضيف وظائف بشكل أسرع من عام 2019، ولكن تختلف سوق العمل الآن من حيث إنها أبطأ، وبالتالي فإن مقدار التغيير والديناميكية والتوظيف والفصل، كل شيء أبطأ عمّا كان».
وأشارت بولاك إلى أن الشركات أبطأ في فصلها، كما أنها أبطأ في التوظيف، والعمال أبطأ في تبديل وظائفهم… «والآن، هل هذا أمر سيئ بالضرورة؟ إنه أمر غير واضح».
لماذا سوق العمل أبطأ الآن؟
أسعار الفائدة المرتفعة، والتي تصل حالياً إلى أعلى مستوياتها منذ 23 عاماً، تعوق الاستثمارات وتدفع الشركات إلى اتباع نهج الانتظار والترقب الذي يثبط المخاطرة، «إنهم لا يوظفون خريجين جدداً بالمعدل نفسه، ويبدو أنهم مترددون تماماً في القيام بذلك، إنه اقتصاد أبطأ وثابت، ويرجع ذلك جزئياً إلى النفور من المخاطرة في مواجهة أسعار الفائدة المرتفعة»، بحسب بولاك.
وأضافت بولاك أن «انخفاض معدل الاستقالة أيضاً يشير إلى أن هناك عدداً أقل من البدائل الأفضل للأشخاص من وظائفهم الحالية، إذ يتوق الناس إلى التمسك بعملهم الذي يمنحهم المرونة، وأعتقد أن الشركات حسّنت التعويضات والمزايا وظروف العمل بشكل ملموس أثناء وبعد الجائحة وسط نقص العمالة».
وعلى عكس عام 2019، هناك المزيد من فرص العمل عن بُعد والمزيد من العمل المرن؛ أصبح العمل عن بعد والمختلط أكبر بخمس مرات مما كان عليه قبل الجائحة، وذلك سيستمر لفترة.
استمرار الفجوة بين فرص العمل وعدد العاطلين الباحثين عن عمل
قالت بولاك «هناك سبب للاعتقاد بأن سوق العمل في الواقع أقل ضيقاً الآن مما كانت عليه في عام 2019. فقد أصبح عدد الوظائف الشاغرة أعلى مما كان عليه بنحو 15 في المئة أو نحو ذلك، لكن إعلانات الوظائف عبر الإنترنت أقل في الواقع حسب إحصاء (زيب ريكروتر)».
وهذا النوع من الفجوات يتسع بين الوظائف الشاغرة والتعيينات والاستقالات وكل شيء آخر ضمن المنظومة، وفقاً لمسح فرص العمل ودوران العمالة.
واختتمت «يبدو أننا نزيد في عدد الشواغر بشكل منهجي أكثر فأكثر كل عام لسبب ما».