تخطت رواندا إحدى أبشع حروب الإبادة الجماعية في تسعينيات القرن الماضي لتصبح إحدى أعلى دول إفريقيا في معدلات النمو الاقتصادي، لتتحول «الأرض ذات الألف تل» إلى مثال ملهم داخل القارة السمراء.

ونجحت رواندا في المحافظة على اقتصاد مرن قادر على التكيف على الرغم من العوامل الخارجية والداخلية الصعبة التي واجهها العالم في الفترة الأخيرة وحققت معدل نمو بلغ 8.2 في المئة عام 2023.

نهضة رواندا

وتوقع البنك الدولي أن يستعيد نمو الناتج المحلي الإجمالي في رواندا زخمه في الفترة بين عامي 2024 و2026 مع متوسط ​​نمو متوقع يبلغ 7.2 في المئة، مشيراً إلى حفاظ قطاع الخدمات على الطلب المحلي ومساهمة انتعاش القطاعين الصناعي والسياحي في النمو القوي والمسار الاقتصادي الإيجابي.

ومنذ عام 2018 سجّلت رواندا نمواً اقتصادياً بأكثر من 8 في المئة عدا عام 2020 عندما تأثر الاقتصاد الرواندي بشدة جراء جائحة كورونا التي أضرت بالنشاط الاقتصادي والقطاع السياحي.

طريق رواندا لم يكن مفروشاً بالورد، فهذه الدولة شهدت مذابح كثيفة ومنهجية عام 1994 صدمت عمليات القتل التي راح ضحيتها نحو مليون شخص العالم وكان من الواضح أنها أعمال إبادة جماعية.

وأشارت التقديرات أيضاً إلى اغتصاب ما بين 150 و250 ألف سيدة على يد المتطرفين من عرق الهوتو ضد أقلية التوتسي.

استلهام تجربة سنغافورة

عندما قررت رواندا النهوض علمت أن القطاع الخاص لا بُد أن يلعب دوراً محورياً في اقتصادها وأصبح جلياً أن طول إجراءات إنشاء الشركات وعقبات الاستثمار يجب التخلص منه على الفور، ولهذا اختارت كيجالي اتباع تجربة سنغافورة في جذب الاستثمار الأجنبي وتحسين مناخ الاستثمار.

وحالياً لا يستغرق إنشاء شركة في رواندا سوى 5 ساعات ما يجعلها إحدى أسهل وأسرع الدول في إفريقيا في تكوين الشركات، ويقر المسؤولون الروانديون بأن هذه الإجراءات تم استنباطها من سنغافورة، حتى إن كيجالي أنشأت جهازاً إدارياً تحت مسمى «مجلس التنمية الاقتصادية» شبيهاً بنظيره السنغافوري بهدف جعل عميلة تكوين الشركات تُجرى من خلال شباك وحيد وتقليل عدد الوثائق المطلوبة.

القضاء على البيروقراطية جعل رواندا قبلة للاستثمار الأجنبي وشجّع على ازدهار ريادة الأعمال في البلاد، وفي ظل مناخ استثماري جيد ارتفع معدل إنشاء الشركات في روندا إلى نحو 10 آلاف شركة جديدة سنوياً، ما يوفّر آلاف فرص العمل ويدعم اقتصاد البلاد.

السياحة في رواندا

استغلت رواندا طبيعتها الخلابة للترويج لنفسها كواجهة سياحية وأصبحت أدغالها وغاباتها تستقطب عدداً كبيراً من السياح، خصوصاً لمشاهدة قردة الغوريلا التي تعد رواندا من بين آخر معاقل هذا النوع من القردة المهددة بالانقراض.

واهتمت الدولة بالسياحة المستدامة وتحديث بنيتها التحتية لتكون أكثر قدرة على استضافة أكبر عدد ممكن من السياح وكذلك أكثر جذباً لهم، لتنجح عام 2015 في أن تصبح كيجالي أجمل مدينة في إفريقيا وفقاً لتصنيف الأمم المتحدة للمدن الأكثر جمالاً.

وزادت كيجالي من المساحات الخضراء والمناطق الممنوع على السيارات السير فيها، وأضافت مسارات ضخمة للمشاة وسط طبيعتها الخلابة لتكون واجهة للسياحة المستدامة.

استراتيجيات رواندا نجحت في زيادة أعداد السياح من 667 ألف سائح عام 2010 إلى 1.6 مليون سائح عام 2019، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

الاستثمار الرياضي وتنويع الاقتصاد

تستثمر رواندا بشكلٍ كبير في الرياضة من خلال الشراكات مع أندية مثل أرسنال وباريس سان جيرمان وتنظيم بطولة العالم لسباق الدراجات على الطرق عام 2025.

ووقّعت رواندا عام 2018 عقد رعاية بملايين الدولارات مع نادي أرسنال الإنجليزي تلاها صفقة ضخمة لدعم العملاق الفرنسي باريس سان جيرمان بعد عام، ويمكن الآن رؤية «زيارة رواندا» على ملاعب الدوري الإنجليزي الممتاز والدوري الفرنسي الدرجة الأولى.

وتتجسد رؤية السلطات الرواندية في رعاية الأندية واستضافة الأحداث التي تتراوح من بطولة دوري كرة السلة الإفريقي لعام 2021 إلى بطولة العالم للدراجات على الطرق عام 2025.

لقد تطلب الأمر عملاً مكثّفاً لتزويد البلاد ببنية تحتية رياضية جديدة: 104 ملايين دولار لقاعة كرة سلة تتسع لعشرة آلاف مقعد، و16 مليون دولار لملعب غولف افتُتِح عام 2021 في كيجالي، و165 مليون دولار مخصصة لبناء الملعب الوطني، والذي من المتوقع أن يتوسع من 25 ألف مقعد إلى 45 ألف مقعد.

ويرى الرئيس الرواندي بول كاغامي أن الاستثمارات الرياضية ستصقل الصورة الدولية وتنوّع اقتصاد الدولة الصغيرة الواقعة في شرقي إفريقيا، كما أن التعاون مع الأندية الكبرى كان مصدراً للترويج للسياحة في البلاد.