توقع الخبراء الاقتصاديون زيادة حجم الإنفاق الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة خلال عام 2023، بهدف دفع وتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، إذ إن معدل زيادة إجمالي الإنفاق الحكومي الموحد في دبي بلغ نحو 7.5% في عام 2023، ولكن القطاع غير النفطي ما زال يواجه تحديات نتيجة تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.

وتشير التوقعات إلى تحقيق فائض مالي موحد قوي للإمارات قد يصل إلى نسبة 9.8% خلال هذا العام، على الرغم من انخفاضه في عام 2022 على خلفية ارتفاع الإنفاق الحكومي وضعف إيرادات مشاريع الهيدروكربون، هذا بجانب ارتفاع احتمالية ارتفاع معدل أسعار النفط، وفقًا لبحث بنك “أبوظبي التجاري” الصادر هذا الشهر (يناير كانون الثاني).

وأعلنت دبي عن ميزانية توسعية كبيرة لهذا العام بإجمالي إنفاق مخطط قدره 67.5 مليار درهم إماراتي، ممثلًا زيادة لحجم الموازنة بنسبة 12.6% مقابل ميزانية عام 2022، والتي تضمنت نمو الإنفاق بنسبة 5.0%، إذ تستهدف الموازنة تحفيز الاقتصاد الكلي ودعم أهداف خطة دبي الاستراتيجية 2030، وفقًا لبيانات الحكومة الرسمية، كما أن الإنفاق المرتبط بأهداف التنمية متوسطة الأجل يستهدف دعم النشاط غير النفطي خلال عام 2023.

وتأتي زيادة النفقات لعام 2023 مدعومة بارتفاع الإيرادات المحققة، ما يعكس الانتعاش الاقتصادي منذ وباء كوفيد-19، ويتوقع الخبراء فائضًا في الموازنة العامة لإمارة دبي قدره 1.5 مليار درهم إماراتي، أي ما يعادل 0.3% من تقديرات الناتج المحلي الإجمالي لدبي، وهو أول فائض مخطط منذ عام 2019.

ووافقت الإمارات على الإنفاق الحكومي البالغ 205 مليارات درهم إماراتي للفترة 2023-2025 وهي الأعلى من 181.0 مليار درهم الموافق عليها للفترة 2022-2024.

بينما تهدف ميزانية 2023 لإمارة دبي إلى تحقيق رفاهية المواطنين وتنمية البنية التحتية، ويستحوذ الإنفاق على المستوى القطاعي أو الاجتماعي (بما في ذلك الصحة والإسكان والتعليم) على 38.1% من إجمالي الإنفاق الذي ارتفع بنسبة 41.3% مقارنةً بالعام السابق.

وفي ذات السياق، أعلنت دبي أيضًا في ديسمبر كانون الأول عن المرحلة الثانية من المخطط العمراني لعام 2040، ويشمل تطوير البنية التحتية، ويهدف إلى زيادة جاذبية المعيشة في دبي.

وفيما يتعلق بالإيرادات، فإنه من المتوقع أن تحقق ميزانية دبي لعام 2023 نمو الإيرادات الحكومية بنسبة 19.9%، وذلك مع انتعاش قطاعات مثل السياحة والطيران إلى جانب ارتفاع القوة الشرائية للعقارات.

ولعبت الاكتتابات الأولية للشركات في بورصتي دبي وأبوظبي دورًا مهمًا في نمو تلك الإيرادات، واشتملت الاكتتابات الأولية الرئيسية في عام 2022 على “هيئة الكهرباء ومياه دبي” و”سالك” و”تيكوم”، ومن المتوقع أن يظل الاكتتاب قويًا أيضًا في 2023، وأن تقود الاستثمارات من قِبل الجهات الحكومية قاطرة الاستثمارات في الإمارات خلال عام 2023.

يتوقع الاقتصاديون احتمالية نمو القطاعات والمشاريع المرتبطة بالهيدروكربونات في أبوظبي، ففي نوفمبر تشرين الثاني وافقت شركة “أدنوك” على ميزانية قدرها 150 مليار دولار أمريكي للسنوات الخمس المقبلة، ارتفاعًا من 127 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وتهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط بمقدار خمسة ملايين برميل في اليوم.

وتشمل خطط الدولة التوسع في عمليات الغاز الدولي والكيماويات والطاقة النظيفة.

وفي سياق منفصل، تخطط “أدنوك” لإنشاء شركة تابعة جديدة للغاز (تجمع بين الغاز الطبيعي المسال وأذرع معالجة الغاز في وحدة جديدة) مع طرح جزئي للاكتتاب خلال هذا العام، كما أنه من المتوقع أيضًا نمو قطاعات البناء (العقارات) والنقل (السكك الحديدية والمواني) والمرافق (بما في ذلك الطاقة النظيفة).

وتولي الإمارات اهتمامًا بالاقتصاد غير النفطي والطاقة النظيفة في 2023، وإن كان متراجعًا في العام السابق بسبب ضعف نمو المكاسب بعد الوباء وارتفاع أسعار الفائدة، وسجلت قراءة مؤشر مديري المشتريات في دولة الإمارات تراجعًا ليصل إلى 54.2 في ديسمبر، منخفضًا من أعلى مستوى محقق في أغسطس عند 56.7.

ويظهر التباطؤ في النمو في النصف الثاني أيضًا في بيانات الناتج المحلي الإجمالي لدبي، إذ تباطأت وتيرة النمو لتصل إلى 3.6% على أساس سنوي في الربع الثالث مقابل 5.9% في الربع الأول و4.3% في الربع الثاني في عام 2022.

على الجانب الإيجابي، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 1.6% في عام 2022 مقارنةً بالنصف الأول من 2019، وجاء الدعم الأقوى للنشاط غير النفطي بشكل عام في أبوظبي من خلال تطبيق برنامج الإصلاح الواسع النطاق، والسياسة المالية الأكثر مرونة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للإمارات إلى 3.2% في عام 2023، منخفضًا من 4.2% في عام 2022، وذلك على خلفية الاتجاهات الاقتصادية العالمية المعاكسة، إذ تواجه القطاعات غير النفطية الرئيسية معوقات خارجية منها: (التجارة، واللوجستيات، والضيافة، والطيران، وما إلى ذلك) والتي ستتأثر سلبًا بالنمو العالمي المتذبذب.

وفي السياق ذاته، ما زالت التوقعات تشير إلى زيادة في أعداد السائحين إلى الإمارات، ولكن بمعدلات أقل مما كانت عليه في 2021 و2022، وسيلعب انفتاح الصين دورًا مهمًا في دعم هذا القطاع، خاصةً مع احتمال تراجع السياحة المستقدمة من أوروبا، بالإضافة إلى انخفاض معدلات الهجرة وتراجع خروج رأس المال من روسيا.. وارتفع عدد السياح الوافدين إلى دبي بنسبة 85.5% في الشهر الـ11 من 2022 مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2019.

لذلك فإن زيادة الإنفاق الحكومي وبرنامج الاستثمار المحلي الذي تقوده المؤسسات والشركات التابعة للجهات الحكومية سيكونان من المحركات الأساسية للنشاط غير النفطي، خاصة في ظل الالتزام بصافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050 واستضافة دبي مؤتمرَ المُناخ في 2023.