أظهرت قطاعات واسعة من الاقتصاد الأميركي علامات ضعفٍ مع ارتفاع معدلات البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عامين؛ إذ أظهر أحدث مسح شهري أجراه معهد إدارة التوريدات، والذي يقيس النشاط الاقتصادي في قطاع الخدمات، أن ما يسمى بـ«الطلبات الجديدة» والنشاط الاقتصادي الإجمالي تراجع بشكل غير متوقع إلى منطقة الانكماش الشهر الماضي.

وانخفض المؤشر الرئيسي إلى قراءة 48.8 في يونيو حزيران من 53.8 في مايو أيار، إذ شهد المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة انخفاضاً أكثر حدة، حيث انخفض إلى 47.3 من 54.1، إذ تشير القراءة فوق 50 إلى التوسع، في حين تشير أي قراءة أقل من تلك النقطة إلى الانكماش.

هذا التراجع الواضح في الطلب، إذا استمر لفترة كافية، يمكن أن يترجم إلى قيام الشركات التي تقدم الخدمات بالتوظيف بوتيرة أبطأ وربما خفض الوظائف.

وتصنف الغالبية العظمى من العمالة في الولايات المتحدة في قطاع تقديم الخدمات، وتحديداً 86 في المئة من إجمالي الوظائف في الولايات المتحدة البالغ عددها 158.6 مليون وظيفة بدءاً من يونيو حزيران الماضي.

في السياق ذاته، قال جيمس نايتلي، كبير الاقتصاديين الدوليين في «آي إن جي»، لشبكة «CNN»، «يحرك المستهلك الجزء الأكبر في قطاع الخدمات، إذ إن المستهلكين هم مفتاح وجهة الاقتصاد الأميركي، لقد بدأنا نرى آثار الضغوط في المزيد من الأسر».

ضغوط التضخم

فالمستهلك الأميركي يتعرض بالفعل لضغوط، ويصارع التضخم الذي لا يزال مرتفعاً، وأسعار الفائدة الأعلى منذ أكثر من عقدين من الزمن، واستنفاد المدخرات التي جمعها خلال الجائحة (وفقاً لبعض المقاييس)، وتزايد عبء الديون.

وتظهر الإحصاءات الحكومية أن الإنفاق الاستهلاكي، الذي يشكل نحو 70 في المئة من الاقتصاد الأميركي، قد اعتدل بالفعل خلال الأشهر القليلة الماضية، وقال تجار التجزئة أنفسهم إنهم لاحظوا أن المتسوقين عبر مستويات الدخل المختلفة يغيرون سلوكهم الشرائي.

وقالت إحدى شركات الخدمات الغذائية التي استطلعت «آي إس إم» آراءها إن «المبيعات والإقبال على الشراء لا يزال ضعيفاً مقارنة بالعام الماضي»، وألقت باللوم على «ارتفاع أسعار الغاز في كاليفورنيا والأخبار المستمرة حول التضخم وأسعار قائمة المطاعم».

وانخفض الإنفاق في المطاعم والحانات بنسبة 0.4 في المئة في مايو أيار، وفقاً لأحدث أرقام وزارة التجارة حول مبيعات التجزئة، وقالت إحدى شركات البيع بالتجزئة لـ«آي إس إم»: «مع استمرار التضخم، هل سيكون لدى العملاء ما يكفي من الأموال التقديرية لإنفاقها؟».

وقدم نايتلي لـ«CNN» تحليلاً للبيانات الحكومية يظهر أن أعلى 20 في المئة من حيث الدخل من الأميركيين كانوا مسؤولين عن حصة كبيرة من الإنفاق على الخدمات المتعلقة بالنقل (السفر الجوي والرحلات البحرية)، والترفيه، والغذاء، والتمويل.

بينما تمثل نسبة الـ60 في المئة الأدنى من حيث الدخل من الأسر نسبة أكبر من الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية.

بيانات الوظائف

لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت قبل أن يترجم تراجع الطلب إلى تباطؤ في التوظيف أو تسريح العمالة، لأن الشركات يجب أن تحدد أولاً ما إذا كانت تتعامل فقط مع شهر أو شهرين سيئين، وربما حتى ربع سنوي سيئ، بحسب ما قاله سكوت هاميلتون، الرئيس العالمي لاستشارات الموارد البشرية والتعويضات في «غالاغر» لشبكة «CNN».

لقد قامت شركات قطاع الخدمات بالفعل بالتوظيف بمعدلات أضعف، وأضافت هذه الشركات 168 ألف وظيفة شهرياً، في المتوسط، من أبريل نيسان إلى يونيو حزيران، وفقاً لبيانات جديدة لوزارة العمل صدرت يوم الجمعة، وهذا أقل بكثير من المتوسط خلال الأشهر الثلاثة السابقة، من يناير كانون الثاني إلى مارس آذار، والذي بلغ 241 ألف وظيفة.

وفي العام الماضي، بلغ متوسط الزيادة الشهرية في الوظائف في قطاع الخدمات 228 ألف وظيفة، وبطبيعة الحال تختلف اتجاهات التوظيف داخل قطاع الخدمات، وهو شريحة كبيرة من سوق العمل.

في الشهر الماضي، تقلصت العمالة في تجارة التجزئة للمرة الأولى منذ نوفمبر تشرين الثاني، بينما تقلصت خدمات المساعدة المؤقتة بمقدار 48,900 وظيفة، ما أدى إلى انخفاض قطاع الخدمات المهنية والتجارية الأوسع، الذي فقد 17 ألف عامل.

بينما كانت الرعاية الصحية إحدى النقاط الإيجابية الرئيسية لقطاع الخدمات، إذ أضافت وظائف بوتيرة سريعة على مدى العقود القليلة الماضية، باستثناء الانخفاض في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، ولكن حتى ذلك الحين، شهدت بعض الشركات في هذه الصناعة مؤخراً ضعف الطلب.

وقالت شركة للرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية في أحدث استطلاع لـ«آي إس إم»: «لقد انخفض الطلب على الخدمات الصحية بعد مستويات انخفاض المرضى شبه القياسية في الشهر الماضي».

وشهدت سوق العمل عودة مذهلة عندما تعافى الاقتصاد الأميركي الأوسع من جائحة كوفيد-19، ما أدى في النهاية إلى انخفاض البطالة إلى أدنى مستوى لها في نصف قرن عند 3.4 في المئة في عام 2023 للمرة الأولى، ومع ذلك فقد تم تخفيفها مؤخراً، إذ بلغ معدل البطالة الآن 4.1 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر تشرين الثاني 2021، وتشهد الطلبات الجديدة للحصول على إعانات البطالة اتجاهاً تصاعدياً.

ويراقب مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي عن كثب أي علامات مثيرة للقلق على الضعف في سوق العمل بينما ينتظرون المزيد من الأدلة على أن التضخم سيستمر في التباطؤ دون أن يؤدي الاقتصاد المتأزم بشكل غير متوقع إلى تخريب ذلك.

(بريان مينا- CNN)