في 4 يناير كانون الثاني من العام الجاري، خفَّض البنك المركزي المصري قيمة الجنيه مرة أخرى أمام الدولار بنحو 6.3 في المئة، وهو الانخفاض الثالث في قيمة العملة المصرية منذ الربع الأول من عام 2022.
وتبلغ قيمة الدولار حاليًا نحو 27.67 جنيه، ويهدف الخفض في قيمة الجنيه المصري إلى تقليص الفجوة بين السعر في السوق الرسمية والموازية، الناتجة عن نقص السيولة في العملات الأجنبية.
وطبقًا للتقرير الصادر عن بنك أبوظبي التجاري يوم الجمعة 6 يناير كانون الثاني 2023، فعلى الرغم من الخفض الأخير في قيمة العملة المصرية، لا يزال هناك فارق واضح بين سعر الدولار في السوقين الرسمية والموازية (السوداء).
وتعود أزمة نقص السيولة الأجنبية في السوق الرسمية المصرية جزئيًا إلى تراكم البضائع المستوردة في الموانئ المصرية، إذ أعلنت مصر مؤخرًا عن إلغاء نظام الاعتمادات المستندية للاستيراد من الخارج الذي بدأ تطبيقه في عام 2022، لتقليل الطلب على العملة الأجنبية، بحسب التقرير.
وكان البنك المركزي المصري قد أصدر قرارًا في 13 فبراير شباط 2022، بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ جميع العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية فقط لدى تنفيذ العمليات الاستيرادية.
وتحتاج مصر إلى عودة التدفقات الرأسمالية لسد الفجوة في سوق العملات الأجنبية ولضمان تلبية الطلب المستقبلي على النقد الأجنبي، كما تحتاج الدولة -بشدة- إلى الدعم المالي من دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى دعم شركاء التنمية الثنائيين ومتعددي الأطراف للتغلب على هذه الأزمة.
ويعتقد التقرير الصادر عن بنك أبوظبي التجاري أن الخفض الأخير في قيمة العملة لن يجلب الكثير من تدفقات رأس المال إلى مصر على المدى القريب، مشيرًا إلى أن توحيد سعر الصرف والمُضي قدمًا في الإصلاحات الهيكلية سيكونان بالغي الأهمية للاقتصاد المصري.
خفض جديد في قيمة العملة
ويعد الخفض الأخير في قيمة العملة المصرية البالغ 6.3 في المئة صغيرًا نسبيًا مقارنةً مع خفض أكتوبر تشرين الأول البالغ 22 في المئة، و17 في المئة في مارس آذار 2022، وطالب صندوق النقد الدولي مصر بالتحول إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة ضمن حزمة من الإجراءات للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار في إطار «تسهيل الصندوق الممدد».
و رغم خفض قيمة الجنيه المصري.. أزمة النقد الأجنبي لا تزال مستمرة، مشيرًا إلى أن تثبيت سعر العملة أسبوعيًا أو شهريًا أو كل ربع مالي سيوفر رؤية أوضح وأفضل لكلٍ من المصدرين والمستوردين والمستثمرين على حد سواء.
ويرى البنك الإماراتي احتمالية إقدام البنك المركزي على تطبيق خفض جديد في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بنحو 5 إلى 6 في المئة على المدى القريب (خلال شهر إلى ثلاثة أشهر)، في حال استمرار أزمة سيولة العملات الأجنبية.
وطبقاً لبنك أبوظبي التجاري، فإنه من المتوقع أن تنخفض قيمة الجنيه المصري وصولًا إلى 32: 34 جنيهًا مقابل الدولار بنهاية العام الجاري، وقال البنك: «نتوقع أن تلعب التطورات المتعلقة بالجنيه المصري دورًا هامًا في تشكيل آفاق الاقتصاد الكلي لمصر».
رفع أسعار الفائدة
سيزيد الخفض الجديد في قيمةِ الجنيه المصري من الضغوط التضخمية المتزايدة بالفعل، إذ ارتفع معدل التضخم في مصر ليصل إلى 21.9 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر كانون الأول، مقابل 6.5 في المئة للشهر نفسه من العام السابق 2021، وذلك وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة يوم الثلاثاء.
وارتفع معدل التضخم الأساسي السنوي (الذي يستبعد في حسابه أسعار المواد المتقلبة مثل الوقود والغذاء) وصولاً إلى 21.5 في المئة في نوفمبر تشرين الثاني، وتمثل الزيادة في معدلات التضخم انعكاسًا لخفض قيمة الجنيه المصري في أكتوبر تشرين الأول، بالإضافة إلى نقص البضائع المستوردة.
وتوقع بنك أبوظبي التجاري أن يواصل التضخم في مصر ارتفاعه خلال الأشهر المقبلة ليتراوح بين 30: 31 في المئة خلال العام الجاري بضغط من خفض قيمة الجنيه.
ورجح البنك الإماراتي ارتفاع معدل التضخم الأساسي في مصر ليصل إلى 21.4 في المئة خلال السنة المالية 2022/ 2023 (من يوليو تموز حتى يونيو حزيران)، وبنسبة 20.5 في المئة خلال العام المالي (2023/ 2024).
كما رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بنحو ثلاث نقاط مئوية (300 نقطة أساس) في ديسمبر كانون الأول إلى 16.25 و17.25 في المئة على التوالي في محاولة لكبح جماح التضخم.
ومن المتوقع -طبقاً لبنك أبوظبي التجاري- أن يرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة مرة أخرى بنحو 200 إلى 300 نقطة أساس في الربع الأول من 2023، مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم واستمرار أزمة نقص السيولة في العملات الأجنبية.
ومقرر للجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري اجتماعان مجدولان لبحث أسعار الفائدة خلال الربع الأول من 2023، إذ يُعقد الاجتماع الأول في 2 فبراير شباط، والآخر في 30 مارس آذار، وقد يلجأ البنك المركزي إلى عقد اجتماع مفاجئ غير متوقع، كما حدث في عام 2022، حيث عقد البنك المصري اجتماعين غير مخطط لهما لرفع أسعار الفائدة، في أعقاب خفض قيمة العملة المحلية في مارس آذار وأكتوبر تشرين الأول 2022.
بجانب زيادة أسعار الفائدة المتوقعة في الربع الأول من عام 2023، يعتقد بنك أبوظبي التجاري أن البنك المركزي المصري قد يرفع العائد على الإيداع والإقراض بنحو 300 نقطة أساس إضافية خلال الأرباع المتبقية من عام 2023، ليرفع بذلك معدلات الإقراض إلى نسب 22.25- 23.25 في المئة.
ديون مصر الخارجية والمحلية
يرى بنك أبوظبي التجاري أن زيادة أسعار الفائدة في مصر وخفض قيمة الجنيه سيؤديان إلى مزيد من التدهور في ديون مصر السيادية، وتحتاج الحكومة إلى سداد جزء كبير من ديونها الصادرة محليًا خلال العامين المقبلين، في وقت سيتم رفع فيه أسعار الفائدة.
كما ارتفع العائد على أدوات الدين قصيرة الأجل بنحو 500-700 نقطة أساس منذ بداية عام 2022، ومن المتوقع أن يشهد عام 2023 قدرًا مماثلًا من الزيادات، ومن المرجح أيضًا أن تؤدي النظرة المستقبلية للجنيه المصري إلى زيادة تكاليف خدمة الدين الخارجي.
وبلغت نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في موازنة مصر خلال السنة المالية (2021-2022) نحو 87.2 في المئة، استحوذت الديون المحلية على نحو 77 في المئة، بينما بلغ نصيب الديون الخارجية 23 في المئة.
وتوقع بنك أبوظبي التجاري أن تخرج مصر من بوتقة الوضع الحالي دون حدوث أزمة في ديون مصر السيادية، مع دعم صندوقِ النقد الدولي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وموافقته على منح مصر قرضًا بقيمة ثلاثة مليارات دولار، تلقت القاهرة منه شريحة أولى بقيمة 350 مليون دولار.
وأضاف البنك الإماراتي: «نعتقد أن قرض صندوق النقد الدولي سيسهم في تقليص الفجوة التمويلية وسيفتح الباب أمام حصول مصر على تمويلات إضافية من شركاء التنمية الثنائيين ومتعددي الأطراف».
وأكد تقرير بنك أبوظبي التجاري أهمية بيع الأصول الحكومية لزيادة التمويلات، ورفع مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتعزيز التوازن في نظام المدفوعات.