أمام فرع البنك الأهلي بشارع شبرا القريب من وسط القاهرة، تقف أعداد كبيرة من المصريين، بينما همس شاب عشريني لمرافقه بالعامية المصرية “الناس دول معاهم فلوس”.

ينتظر هؤلاء لشراء شهادات ادخارية بعائد يصل إلى 25 في المئة، هو الأعلى في مصر منذ عقود، طرحها البنك الأهلي وبنك مصر، أكبر بنكين مملوكين للدولة، وقد لاقت إقبالاً كبيرًا بفضل العائد المرتفع وسط موجة غلاء وتراجع في قيمة العملة.

محمد أحمد، الطالب في كلية الآداب بجامعة حلوان، جاء بصحبة والدته. يقول لـ «CNN الاقتصادية» إنه «انتهت منذ فترة بسيطة وصاية الدولة على الأموال التي تركها لي والدي عند وفاته عام 2016. سأقوم بربط المبلغ في شهادة بفائدة 25 في المئة للحفاظ عليها. ربما تساعدني في تأسيس مشروع صغير عندما أنتهي من دراستي الجامعية بعد عام. نسبة فائدة 25 في المئة مرتفعة، وأنا راضٍ جداً بها».

الشهادات الجديدة ينظر إليها البعض كنوع من التعويض للأسر التي لا تستطيع العمل لمجابهة ارتفاع الأسعار الحاد في مصر منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، لكن جدواها ليست محل إجماع حتى وسط مشتريها.

نعيم جرجس (اسم مستعار حسب رغبته)، رجل دين مسيحي يبلغ 62 عاما، ينتظر هو الآخر أمام البنك، لكن في زيه العلماني. وصل جرجس قبل أن يفتح البنك أبوابه بعد أن فشل في الدخول في اليوم السابق من شدة الزحام. يقول «الأعداد كبيرة جدًا؛ هناك عدد مماثل بالداخل. نحن هنا من أجل البقاء، والحفاظ على ما تبقى من مدخراتنا. 25 في المئة نسبة فائدة جيدة، ولكنني أشك في جدواها. ربما ترتفع الأسعار أكثر وأكثر. ربما ترتفع مصاريف الجامعات أكثر. ربما ترتفع أيضا فواتير الماء والكهرباء. أعرف أنها سترتفع وأعرف أن مدخراتي ستفقد قيمتها الحقيقية».

كان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أعلن يوم الثلاثاء ارتفاع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية في ديسمبر كانون الأول إلى 21.3 في المئة – الأعلى منذ ديسمبر كانون الأول 2017. وتفوق قراءة ديسمبر كانون الأول توقعات الاقتصاديين في استطلاع أجرته رويترز.

على صبحي، 58 عاما، موظف سابق بالدولة رفض الإفصاح عن الجهة التي عمل بها. جاء صبحي للاستفادة من الشهادات الجديدة، لكنه غير راضٍ عن العائد، يقول «رغم ارتفاع نسبة الفائدة ووصولها إلى 25 في المئة، فإن هذه النسبة غير كافية؛ نسبة التضخم الحقيقة مرتفعة جدًا، والأسعار تضاعفت أكثر من ثلاث مرات. لكنني مضطر أن ألجأ إلى هذه الشهادة؛ فهذا أفضل من أن تتسرب مدخراتي، وهي مكافأة نهاية خدمتي، فتضيع على الضرائب وارتفاع أسعار السلع والخدمات الجنوني».

وقال محمد الإتربي، رئيس بنك مصر، إن مبيعات الشهادة الجديدة بلغت في الأيام الثلاثة الأولى لإصدارها 91 مليار جنيه (نحو 3.3 مليار دولار)،

كان الإتربي قال في تصريحات لوسائل الإعلام مطلع الأسبوع، إن طرح البنك شهادة بعائد 25 في المئة هدفه معالجة التضخم والمضاربة على الدولار. ولجأ بنكا الأهلي ومصر لفتح بعض الفروع استثنائيًا الجمعة لبيع الشهادات وتغيير العملة. وكان الإعلان عن إصدار الشهادات قبيل فترة وجيزة من أحدث خفض لقيمة الجنيه قبل نحو أسبوع.

يرى المراقبون أن إصدار شهادات ادخار بمثل هذا العائدة المرتفع سيفرض حملاً ثقيلاً على البنكين، لكن الإتربي اعتبر أن أرباح البنك ستساعده على امتصاص التكلفة.

ووسط الجدل المحتدم بشأن الفائدة الشهادات والهدف منها، لا يجد مصريون كثيرون بديلاً عنها لمحاولة كبح تداعيات التراجع الحاد في قيمة مدخراتهم، الآخذة بالتآكل من جراء التضخم وانخفاض الجنيه.

يقول رجل الدين المسيحي جرجس «لا أملك أي خبرة في إنشاء عمل خاص يساعدني على تكاليف العيش. هذا الوعاء الادخاري هو العمل الوحيد الذي أعرفه».