1.3 مليار متر مكعب حجم الاحتياطي الجيولوجي في مصر من الرمال السوداء، التي تنتشر على طول السواحل المصرية بطول 400 كيلومتر من أبوقير بالإسكندرية حتى مدينة رفح، ما يُسلّط الضوء على أهميتها الاقتصادية للبلاد.

يعود اكتشاف ثروة الرمال السوداء في مصر إلى أواخر الثلاثينيات في منطقة رشيد التي تضم أكبر احتياطي من الرمال السوداء بحجم 600 مليون متر مكعب، ثم اكتشفت البلاد في السنوات التالية مناطق عديدة من بينها منطقة دمياط التي تحتوي على 300 مليون متر مكعب من الثروة السوداء، ومنطقة بلطيم باحتياطى 200 مليون متر مكعب، ومنطقة شمال سيناء 200 مليون متر مكعب.

ونجحت مصر خلال عامي 2021 و2022 في استكشاف الرمال السوداء بمناطق جديدة منها منطقة بورسعيد البردويل، وشرق بركة غليون، ومنطقة غرب مدينة المنصورة الجديدة، بالإضافة إلى مواقع أخرى تطل على ساحل البحر الأحمر، ولا تزال هذه المناطق تخضع لمزيد من الدراسات الاستكشافية للتأكد من حجم الاحتياطات بها.

لماذا سُميت الرمال «السوداء» بهذا الاسم؟

تعود تسمية الرمال السوداء بهذا الاسم لغلبة اللون الأسود عليها بسبب احتوائها على معادن الحديد الذي يتميز باللون القاتم وأهمها الماجنتيت والإلمينيت -أكبر مكونين لهذه الرمال- كما يشار إلى الرمال السوداء باسم «الرمال المُشعة» لاحتوائها على بعض المعادن المشعة مثل معدني المونازيت والزركون.

وأوضح تقرير مركز المعلومات واتخاذ القرار المصري أن هناك اختلافاً في نسبة تركيز المعادن الثقيلة في الرمال السوداء؛ فهناك نوع داكن اللون وهو الذي تتراوح نسبة المعادن الثقيلة به بين 70 و90 في المئة، وهناك نوع آخر رمادي اللون يحتوي على نسبة لا تتجاوز 40 في المئة من المعادن الثقيلة.

وعلى الرغم من تعدد أنواع الرمال السوداء فإن أكثرها انتشاراً هي الرمال السوداء من المعادن البركانية والتي تنتشر قبالة سواحل الجزر البركانية.

فرص استثمارية وجهود حكومية

حاولت الحكومة المصرية منذ فترة الستينيات من القرن العشرين استغلال الثروة السوداء، لكنها لم تتخذ خطوات فعلية بخلاف الدراسات الاستكشافية حتى تأسيس أول شركة مصرية لتعدين الرمال السوداء في أبريل نيسان 2016، وهي الشركة الوطنية للرمال السوداء بالبرلس بمدينة كفر الشيخ.

وفي عام 2019، صدَّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على القانون «رقم 8 لعام 2018»، الذي يفوض وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة للتعاقد مع هيئة المواد النووية والشركة المصرية للرمال السوداء، وذلك لاكتشاف وتعدين المعادن والمنتجات الثانوية التي يمكن استخراجها من الرمال السوداء ومن ثم استغلالها اقتصادياً.

كما جرى تدشين مصنع استخلاص معادن الرمال السوداء في رشيد بمحافظة البحيرة على مساحة 40 فداناً، وتبلغ مساحة منطقة التكريك الخاصة به نحو 9 كيلومترات، وتشير تقديرات مركز المعلومات واتخاذ القرار المصري إلى أنه من المتوقع أن تصل إيرادات المشروع إلى ما يعادل ثلث دخل قناة السويس نظراً لمساهمته في قطاع التصدير، فضلاً عن توفيره فرص عمل، ومن المرجح أن تصل الطاقة الإنتاجية للمصنع عند الانتهاء من اكتماله في المراحل المقبلة لنحو 150 ألف طن سنوياً من المعادن المختلفة.

وفي أكتوبر تشرين الأول 2022، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مجمع مصانع الرمال السوداء بمدينة البرلس بمحافظة كفر الشيخ، بتكلفة تبلغ أربعة مليارات جنيه ومدة تنفيذ استغرقت 12 شهراً، بهدف إنشاء مجمعات صناعية جديدة وتحقيق عائد اقتصادي وتوفير العملات الأجنبية من خلال تصدير الفائض وتوفير 5000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

الأهمية الاقتصادية للرمال السوداء

تدخل المعادن الاستراتيجية التي تحتوي عليها الرمال السوداء في العديد من الصناعات الاقتصادية، وأهم هذه المعادن هي الزركون، والمونازيت، والماجنتيت، والروتيل والألمنيت، والجارنت.

وتُستخدم هذه المعادن في صناعات محل اهتمام عالمي حالياً مثل صناعة أشباه الموصلات والمغناطيسات فائقة القدرة، وصناعة هياكل الطائرات والسيارات والصواريخ والغواصات، والمركبات الفضائية، والأجهزة التعويضية، وصناعة أنابيب البترول، ومواد الإشعاع النووي، والعربات المصفحة والحربية، وقضبات السكك الحديدية، وصناعة السيراميك والبلاط، ومواد الصنفرة، والأرضيات عالية التقنية، وصناعة الكريستال والزجاج، والمعدات الرياضية ومستحضرات التجميل.

بجانب ذلك، فإن استغلال الرمال السوداء يساعد الحكومة المصرية على الحفاظ على البيئة من خلال خفض مخاطر التلوث الإشعاعي، إذ إن إزالة الملايين من أطنان الرمال السوداء من على السواحل تعني إزالة بعض الجزئيات من المعادن المُشعة التي لها تأثير مضر على النظام البيولوجي البحري والإنساني.

فضلاً عن إمكانية مساهمة مشروعات الرمال السوداء في تنمية المجتمع من خلال توفير فرص عمل لآلاف الشباب وتطوير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات الكهرباء والغاز والمياه في مناطق الاستكشاف وهو ما يعود بالنفع على تحسين الظروف المعيشية لأبناء المناطق المستكشفة.

السياحة العلاجية

تُعدّ شواطئ الرمال السوداء وجهة متميزة للسياحة العلاجية للأفراد حول العالم لما تشتمل عليه من معادن مهمة مثل الكبريت والمغنيسيوم والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم، سواء بغرض الاستشفاء من بعض الأمراض أو بغرض الاستجمام والراحة.

وقد أنشأت بالفعل بعض الدول منتجات للسياحة العلاجية على شواطئ الرمال السوداء لديها، تعظيماً للعوائد الاقتصادية التي تجنيها من هذا النوع من السياحة مثل اليابان.

كما تعتبر الرمال السوداء بالغردقة وجهة متميزة للسياحة العلاجية بمصر نظراً لقربها من مدينة سفاجا الغنية بالعناصر المشعة، ما يُسهم في علاج العديد من الأمراض الجلدية وكذلك أمراض الروماتويد والروماتيزم.

وأفاد مركز المعلومات واتخاذ القرار بأن مصر تمتلك 11 موقعاً للرمال السوداء تتوفر بها ثمانية أنواع من المعادن الثقيلة، متوقعاً أن تجني مصر عوائد بأكثر من 255 مليون جنيه سنوياً من كل موقع من هذه المواقع.