بدأت الأكوام المتراكمة من ديون أكبر الاقتصادات في العالم بإثارة قلق الأسواق المالية مرة أخرى، خاصة في عام ستكون فيه توقعات الأداء المالي مرتبطة بانتخابات مشتعلة، ومن ضمن مجموعة السبعة الكبار هناك 5 اقتصادات متقدمة، يجب القلق بشأنهم.

وتعرضت السندات الفرنسية لضربة قوية بعد الانتخابات المبكرة واقتراحات خطط الإنفاق التي أثارت القلق، أما الديون الأميركية فهي تحت دائرة الضوء بسبب الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر المقبل.

وقال كبير استراتيجيي السوق في مجموعة زيورخ للتأمين، جاي ميلر «يجب أن يكون هناك المزيد من الاهتمام ليس فقط بالديون، بل بمعالجة أسباب الديون عبر تحسين النمو والاهتمام بقضية العجز المالي، خاصة في أوروبا».

وتقول وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال إن النمو الاقتصادي القوي هو المفتاح لاستقرار الديون.

فرنسا.. لا مجال للمناورة

كانت الانتخابات المبكرة في فرنسا بمثابة صحوة تنبيه قاسية للمستثمرين في بلد تعاني تعثر الموارد المالية العامة، ومع وصول عجز الميزانية إلى ما يساوي 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، ستواجه فرنسا إجراءات انضباطية من الاتحاد الأوروبي.

وارتفعت العلاوة على المخاطر الخاصة بالسندات الفرنسية مقارنة بالسندات الألمانية القياسية بالشهر الماضي، إلى أعلى مستوياتها منذ أزمة الديون عام 2012، مع تقدم اليمين المتطرف في المرحلة الأولى من السباق الانتخابي، قبل أن ينتصر التحالف اليساري في نهاية المطاف.

وإن كان البرلمان الجديد لن ينفذ خطط الإنفاق اليمينية، لكنه أيضاً سيعوق أي إجراء لتعزيز المالية العامة لفرنسا.

وقال رئيس مكتب التدقيق الوطني الفرنسي بيير موسكوفيتشي «لا يوجد مجال للمناورة بشأن الميزانية ويجب خفض الديون»، يقول رئيس مكتب التدقيق الوطني الفرنسي.

ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن يصل الدين الفرنسي إلى نحو 139 في المئة من الناتج بحلول عام 2034، مقارنة بنحو 111 في المئة حالياً.

فوز ترامب يرفع التكاليف

الولايات المتحدة الأميركية ليست بعيدة عن ركب الديون، ويعتقد مكتب الميزانية بالكونغرس أن الدين العام سيرتفع من 97 في المئة حالياً إلى 122 في المئة من الناتج بحلول عام 2034.

وأدّت التوقعات المتزايدة بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر إلى رفع عوائد سندات الخزانة مؤخراً، إذ وضع المستثمرون في الاعتبار مخاطر حدوث عجز أكبر في الميزانية واستمرار ارتفاع التضخم.

ويعتقد كثير من المستثمرين أن النتيجة الأسوأ لأسواق السندات ستكون رئاسة ترامب مع مجلسي نواب وشيوخ بقيادة الجمهوريين.

وما زالت سندات الخزانة الأميركية تتمتع بسمعتها كملاذ آمن للاستثمارات، ولكن منحنى العائد يقترب من أعلى مستوياته منذ يناير، ما يعكس الضغط الذي يواجه تكاليف الاقتراض على المدى الطويل.

إيطاليا تتحسن لكن القلق مستمر

يشيد المستثمرون برئيسة الوزراء القومية، جورجيا ميلوني، ووصفوها بأنها صديقة للسوق.

وتهدف روما إلى خفض العجز المالي إلى 4.3 في المئة من الناتج الإجمالي هذا العام، مقارنة بنحو 7.4 في المئة في العام الماضي، والذي كان الأعلى في الاتحاد الأوروبي.

لكن الهدف الطموح لإيطاليا يتعارض مع سجلها السيئ في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بتحقيق الأهداف المالية.

لقد تفوقت السندات الإيطالية على نظيراتها الفرنسية، لكن علاوة المخاطر على السندات الإيطالية بلغت -لفترة وجيزة- أعلى مستوى لها منذ أربعة أشهر في يونيو حزيران، مع أزمة ارتفاع علاوة السندات الفرنسية، ما يعكس مدى هشاشة التحسن الإيطالي أمام أي مؤثرات داخلية أو خارجية.

وبلغت تكلفة حوافز تجديد المنازل أكثر من 200 مليار يورو منذ عام 2020، ما أدّى إلى فرض ضغوط تصاعدية على الديون الإيطالية لسنوات.

وتتوقع المفوضية الأوروبية أن يرتفع الدين الإيطالي إلى 168 في المئة من الناتج بحلول عام 2034 مقارنة بنحو 137 في المئة الآن.

وقال رئيس الاستثمار في أدوات الدخل الثابت والعملات الأجنبية في مؤسسة يونيون إنفستمنت، كريستيان كوبف «لن تحصل على جائزة مقابل مخاطرتك بالاستثمار في إيطاليا».

بريطانيا تنضم إلى قائمة القلق

تراجعت بريطانيا إلى قائمة القلق منذ عام 2022، عندما أدّت التخفيضات الضريبية غير الممولة من قِبل حكومة المحافظين آنذاك إلى الإضرار بالثقة في السندات الحكومية والجنيه الإسترليني، ما أجبر البنك المركزي على التدخل من أجل تحقيق الاستقرار في الأسواق.

وتواجه حكومة حزب العمال الجديدة -التي تعهدت بتنمية الاقتصاد مع إبقاء الإنفاق محدوداً- تحديات إذ يقترب الدين العام من 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال خبراء الميزانية في بريطانيا العام الماضي إن الدين قد يرتفع إلى أكثر من 300 في المئة من الناتج الاقتصادي بحلول سبعينيات القرن الحالي، في ظل شيخوخة المجتمع وتغيّر المناخ والتوترات الجيوسياسية التي تشكّل مخاطر مالية كبيرة.

اليابان الأعلى استدانة.. الأقل قلقاً

يبلغ الدين العام في اليابان أكثر من ضعف اقتصادها، وهو الأكبر على الإطلاق بين الاقتصادات الصناعية، وهذا لا يشكّل مصدر قلق حالياً، لأن الجزء الأكبر من الديون اليابانية مملوك لليابانيين، وهم أقل احتمالاً للتخارج عند ظهور علامات التوتر.

ويمتلك المستثمرون الأجانب نحو 6.5 في المئة فقط من السندات الحكومية للبلاد.

ولكن لا تزال هناك بعض الأسباب للقلق، إذ تشير التقديرات الحكومية إلى أن اليابان ستواجه أزمة تضاعف مدفوعات الفائدة السنوية على الديون الحكومية لتصل إلى 24.8 تريليون ين نحو 169 مليار دولار خلال العقد المقبل، لذا فإن أي قفزة مفاجئة في عائدات السندات اليابانية تستحق المراقبة.