عادة يلفت أنظارنا مالكو السيارات باهظة الثمن والقصور وأصحاب البدل الفاخرة، معتقدين أن تلك هي مظاهر امتلاك الثروة المرتفعة، وما قد يصدم البعض أن الكثير من هؤلاء يتكبدون ديوناً هائلة لمواكبة مستوى معيشي معين، فكيف نُعرّف أصحاب الثروات الحقيقيين؟
نستخدم المصطلحين «الغنى» و«الثراء» بالتبادل، لكنهما يشيران في الواقع إلى نوعين من الناس مختلفين تماماً، على سبيل المثال يقود المستثمر الملياردير الشهير وارن بافيت سيارة عمرها عشر سنوات ويعيش في المنزل نفسه الذي اشتراه عام 1958، رغم أنه يُصنَّف كأحد أهم الأثرياء في العالم، ما يجعلنا ندرك أن المظاهر أحياناً قد تكون مضللة.
الفرق بين الغنى والثراء
يمكن التمييز بين الأغنياء والأثرياء وفقاً لعدد من المعايير، وفيما يلي أبرز الاختلافات بحسب وجهة نظر «سوفي» للاستشارات المالية، وتقارير مجلة «فوربس» و«فورتشن» عن أغنياء وأثرياء العالم:
1- الثروة والديون
لا يوجد مبلغ محدد بالدولار ينتقل به الشخص من كونه غنياً إلى ثري، لكن يتعلق الأمر إلى حد كبير بالإدراك ومقدار صافي الثروة والدخل الذي يجنيه الفرد، مقارنة بحجم الديون التي يلتزم بسدادها.
على سبيل المثال، الشخص الذي لديه أصول بقيمة عشرة ملايين دولار وليس لديه ديون يكون في وضع أفضل للاستثمار وتمويل الجهود الخيرية مقارنة بشخص يحصل على 200 ألف دولار سنوياً ولكن لديه صافي ثروة سلبية بسبب الديون، ويصنف الأول من الأثرياء، بينما يعتبر الثاني من الأغنياء.
2- الاستثمارات
رغم أن الأغنياء قد يحصلون على دخل مكون من ستة أو حتى سبعة أرقام كل عام، فإن الكثير من هذه الأموال تخرج مباشرة من حساباتهم المصرفية بسبب الإنفاق على نمط حياتهم وتجاهل الاستثمارات.
على جانب آخر، يميل الأثرياء إلى استثمار أموالهم حتى يتمكنوا من كسب المزيد من المال، من خلال الاستثمار في العقارات، وسوق الأوراق المالية، وغيرها من المصادر التي توفر لهم دخلاً سلبياً أو تساعد على بناء ثروة مستدامة.
3- أسلوب الحياة
يمكن أن يكون المال أداة لتحسين نوعية حياتك، ولكن شكل هذه الحياة يختلف بين الأغنياء والأثرياء، فقد لا يفكر الشخص الغني في خسارة عشرة آلاف دولار ويفضل عيش اللحظة دون تفكير في عواقب إنفاق الأموال على مستقبله.
في حين يختار الشخص الثري الاستمتاع مع نهج أكثر توازناً، على سبيل المثال، قد يتبنى أصحاب الملايين والمليارديرات الأثرياء عقلية مقتصدة أو يركزون على التبرع بكميات كبيرة من ثرواتهم لأسباب خيرية.
4- النفقات
تتنوع نفقات الشخص الغني بين قسط من الرهن العقاري، وأقساط السيارة، ومدفوعات الرسوم الدراسية للمدارس الخاصة لأطفاله، وجميع نفقات المعيشة اليومية العادية مثل المرافق والطعام، وقد يكون لديهم أيضاً فواتير بطاقات الائتمان أو قروض لدفعها كل شهر.
بينما لا يتحمل الأثرياء نفقات متعلقة بالديون، مثل الرهن العقاري أو دفع السيارة، لأنهم قد يمتلكون تلك الأصول بشكل كامل، وإذا كانوا يستخدمون بطاقات الائتمان، يختارون دفع الفواتير بالكامل كل شهر بدلاً من تراكم الفائدة.
في المقابل، يتحمل فاحشو الثراء نفقات فريدة لا يتحملها الأغنياء، مثل صيانة منزل واحد أو أكثر لقضاء العطلات، والتأمين على طائرة خاصة أو يخت، ويمكنهم أيضاً دفع النفقات للمستشارين الماليين أو مستشاري الاستثمار لخدمات إدارة الثروات.
5- مصادر الدخل
عادة يعتمد الأغنياء على رواتبهم من العمل في وظيفة عادية كمصدر رئيسي للدخل، بجانب الأنشطة الجانبية أو الأعمال التجارية التي يمتلكونها، ولكن بشكل عام، فهم يعملون عادةً من أجل لقمة العيش بطريقة ما، وإذا لم يحافظوا على العمل، فقد يفقدون مكانتهم كأغنياء.
على جانب آخر، تظهر دراسة مصلحة الضرائب الأميركية أن الأشخاص الأكثر ثراءً لديهم سبعة مصادر مختلفة للدخل في المتوسط، من بينها الوظيفة، ولكن الجزء الرئيسي يأتي من أنواع مختلفة من الاستثمارات أو المشاريع التجارية.
6- الميزانية والتخطيط المالي
لا يدخر الأغنياء جزءاً كبيراً من دخلهم، ويهدر الكثير منهم ثرواتهم على العقارات الفاخرة، والسفر، والأزياء، والطعام، ورغم أنه قد تكون لديهم ميزانية، فإنهم لا يلتزمون بها دائماً، لذا عادة ينفقون أكثر مما يكسبون أثناء محاولتهم تغطية نمط حياتهم.
من ناحية أخرى، يأخذ الأثرياء التخطيط المالي على محمل الجد ويكونون استباقيين بشأن أشياء مثل الاستثمار والتخطيط للتقاعد، ويركزون أيضاً على التخطيط العقاري وأفضل الطرق للحفاظ على أكبر قدر ممكن من ثرواتهم.
الأجيال بين الغنى والثراء
تُصنَّف الأجيال بين جيل طفرة المواليد الذين وُلِدوا في الفترة بين عامي 1944 و1964، وجيل إكس من مواليد الفترة بين عامي 1965 و1979، وجيل الألفية أي مواليد الفترة بين عامي 1980 و1994، و جيل زد هم مواليد الفترة بين عامي 1995 و2012، وهذه التواريخ تقريبية لأنه لا توجد تعريفات موحدة لوقت بداية الجيل وانتهائه.
وتفيد تقارير شركة سوذبيز بأن نحو 30 في المئة من مبيعات الساعات في العام الماضي ذهبت إلى المشترين الذين يبلغون من العمر 30 عاماً أو أقل، وتمتد هذه النتائج إلى سلع أخرى أيضاً، إذ كشفت الدراسات أن المشترين من الجيل زد هم أكثر عرضة لشراء السيارات الفاخرة من أي جيل آخر.
ومع ذلك، فإن نحو ثلث الأشخاص البالغين من العمر 25 عاماً هم أصحاب منازل، ولديهم رأس مال إضافي للاستمتاع به، كما يناقش عدد متزايد أيضاً المحافظ الاستثمارية المتنوعة والاستثمار الملائكي، رغم أنه يظل وميض رموز الرفاهية أمراً لا يقاوم بالنسبة لأولئك الذين يحققون الكثير من النجاح بهذه السرعة.
وقال تقرير هينلي آند بارتنرز عن الأثرياء من جيل زد إن «الطريقة التي يتعاملون بها مع الثراء المكتشف حديثاً يمكن أن تغيّر تصورات المجتمع للشباب»، ما قد يغيّر طريقة النظر ومعايير التفرقة بين الأغنياء والأثرياء.
الجيل الأعلى ثروة في 2024
شمل استطلاع نايت فرانك 600 شخص من ذوي الثروات العالية الذين يمتلكون أصولاً تزيد على مليون دولار أو يكسبون أكثر من 200 ألف دولار سنوياً، وصُنفت إجاباتهم حسب الجنس والجيل.
وبحسب الاستطلاع، فإن 71 في المئة من الأثرياء على مستوى العالم يتوقعون نمواً في ثرواتهم هذا العام، ويظهر نمط واضح عند تحليل البيانات حسب العمر، فالفئات الشابة الثرية أكثر ثقة بشأن التوقعات الاقتصادية مقارنة بالفئات الأكبر سناً.
ويتوقع 52 في المئة فقط من أثرياء جيل الطفرة السكانية أن تنمو ثرواتهم خلال الـ12 شهراً المقبلة، على عكس 75 في المئة من أثرياء جيل زد الأكثر تفاؤلاً.
هناك اختلاف ملحوظ بين الجنسين في توقعات زيادة الثروة خلال عام 2024، إذ يتوقع 75 في المئة من ذكور جيل الألفية أن تنمو ثرواتهم، مقارنة بـ64 في المئة من النساء، ومع ذلك بالنسبة للجيل زد، فإن هذه التوقعات معكوسة تماماً إذ تتوقع 81 في المئة من النساء أن يجنين ثروات أعلى هذا العام، ما يجعلهن الأكثر تفاؤلاً بين جميع المجموعات.