غالبية الشركات تقلق بشأن نقص النقدية، ولكن بالنسبة للمقرضين في الضفة الغربية المحتلة، المشكلة تكمن في وجود فائض كبير.

الفائض الذي يصل إلى 4.2 مليار شيكل، هو واحد من العديد من الضغوط في النظام المالي الذي يعاني أيضاً من تداعيات الحرب في غزة، والإجراءات العقابية التي يفرضها وزير المالية الإسرائيلي المتطرف.

يقول المصرفيون والمسؤولون إن النقدية الموجودة في خزائن الضفة الغربية، التي تعادل أكثر من مليار دولار، لا تحرم المقرضين فقط من الأرباح وتعقد العمليات، بل أصبحت أيضاً هدفاً متزايداً للصوص.

قال مسؤول فلسطيني عن هذا الفائض المتوقع أن يصل إلى 8 مليارات شيكل بنهاية العام، وهو رقم يعادل أكثر من 15% من الناتج الاقتصادي للضفة الغربية «إنها مشكلة، إنها تخلق الكثير من الصعوبات لمصارفنا وللتجار الفلسطينيين الذين يتعاملون مع إسرائيل»، وفق فاينانشال تايمز.

يرجع الفائض إلى حد طويل الأمد فرضته إسرائيل على كمية النقدية التي يمكن لمؤسسات الضفة الغربية تحويلها إلى البنك المركزي الإسرائيلي، تستخدم البنوك في الضفة الغربية العملة الإسرائيلية بناءً على الاتفاقيات الاقتصادية التي وُقِّعت في التسعينيات.

قبل اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في غزة في 7 أكتوبر تشرين الأول، كان المصدر الرئيسي للشيكلات المادية في الضفة الغربية هو الفلسطينيين الذين كانوا يسافرون إلى إسرائيل للعمل وكانوا يتلقون رواتبهم نقداً، كانوا يجلبون ما يصل إلى 20 مليار شيكل سنوياً إلى الضفة الغربية، وفقاً لشخص مطلع على الوضع، بينما كان المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل الذين يعبرون الخط الأخضر للتسوق في الضفة الغربية يجلبون بين 6 إلى 7 مليارات شيكل إضافية.

لكن البنك المركزي الإسرائيلي يسمح فقط لمؤسسات الضفة الغربية بإرسال 18 مليار شيكل سنوياً، ومع مرور الوقت تُركت البنوك مع كميات متزايدة من الشيكلات المادية.

منذ اندلاع الحرب منعت إسرائيل الفلسطينيين من دخول أراضيها للعمل، لكن الفائض النقدي استمر، لأن عدم اليقين الناتج عن الصراع دفع الفلسطينيين الذين كانوا يحتفظون بالنقدية في المنزل إلى إيداعها في البنوك، بينما أدى الانكماش الناجم عن الحرب إلى تقليل الإنفاق، كما أن الحرب أدت إلى تعزيز الاقتصاد الرمادي، الذي يعتمد بشكل كبير على النقد.

قال بنك إسرائيل لصحيفة «فاينانشال تايمز» إنه «حدد حصصاً تعكس النشاط الاقتصادي المشروع الذي يتطلب إيداعات نقدية»، عندما تدخل بعد أن توقفت البنوك الإسرائيلية عن تقديم خدمات نقدية لنظيراتها الفلسطينية في السنوات الأخيرة وسط مخاوف من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وأضاف أن الحصص زادت بمرور الوقت، و«في بعض الحالات، تم منح حصة استثنائية».

لكن آخرين يقولون إنه يجب زيادة الحد الأقصى أو إلغاؤه، قال صندوق النقد الدولي في عام 2022 إن الحد «لا يتناسب مع تدفقات الشيكلات إلى النظام المصرفي الفلسطيني».

قال دبلوماسي «لا نرى دليلاً على غسل الأموال عبر الضفة الغربية الذي يتطلب فرض قيود مشددة على فائض الشيكلات». وأضاف «أرى أن الحد الأقصى هو قيد زائف، لكن الإسرائيليين يؤمنون به بشدة ولن يغيروه».

وجدت مراجعة للنظام المصرفي الفلسطيني هذا العام من قبل مسؤولين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد أنه يتجاوز المعايير الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، وفقاً لأشخاص مطلعين على العملية.

الأثر المباشر للحد الأقصى على المقرضين الفلسطينيين هو أنه يحرمهم من الدخل، قدَّر صندوق النقد الدولي في عام 2022 أن الاحتفاظ بالنقدية الزائدة بالشيكل خفض أرباح البنوك الفلسطينية بنحو 20%، وفقاً لمصرفي فلسطيني، بلغت الأرباح المفقودة للقطاع 500 مليون دولار بين 2012 و2023، معظمها تراكم في السنوات الأخيرة مع ارتفاع أسعار الفائدة.

قال المصرفي «لا يمكننا إيداعه لتحقيق فائدة، لا يمكننا إقراضه، لأننا لا نقرض النقدية المادية»، وأضاف «يمكن أن يُستخدم هذا المال في الاقتصاد، ويكون متداولاً وينتج قيمة».

يقلل الوضع أيضاً من السيولة المتاحة للبنوك للعمليات مع نظرائها الإسرائيليين، ما يجبرهم على اللجوء إلى حلول غير ملائمة، قال المصرفي: «في بعض الأحيان، اضطررنا إلى الاقتراض القصير الأجل لتغطية التحويلات والشيكات، رغم أن لدينا 10 أضعاف ذلك في خزائننا».

كما يقلق المصرفيون من زيادة السرقات، قال شخص مطلع على الوضع إنه حدثت ثماني عمليات سطو مسلح على البنوك في الضفة الغربية العام الماضي، ضعف العدد في العام السابق، وهناك ثلاث على الأقل حتى الآن هذا العام، قال مسؤولون آخرون إن العدد كان أعلى.

يرى بعض المراقبين أن السرقات تتعلق بضعف إنفاذ القانون بقدر ما تتعلق بزيادة كميات النقد، لكن مسؤولاً في الأمم المتحدة قال إن المشكلة تتفاقم بسبب القيود على الحركة التي فرضتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر، ما جعل من الصعب على البنوك نقل النقد من الفروع الأقل حماية إلى الخزائن المركزية الأكثر أماناً.

لم تكن المبالغ المتورطة كبيرة حتى الآن من حيث مالية البنوك، لكنَّ مسؤولاً في الأمم المتحدة قال إن السرقات أثارت أيضاً مخاوف أمنية، وأضاف: «كلما زادت السرقات، زاد عدد الأسلحة، وزاد خطر وقوع حادثة لا يمكن تهدئتها».

في محاولة لتخفيف الضغط، حاولت البنوك الفلسطينية على مر السنين فرض رسوم على العملاء للإيداعات، وفي بعض الأحيان رفضت تماماً قبول الودائع النقدية بالشيكل بسبب نقص مساحة التخزين، كما سمح بنك إسرائيل أحياناً -كما فعل في وقت سابق من هذا العام- بالسماح بالحصص من ربع سنوي أن تُنقل إلى الربع الذي قبله.

لكن في الوقت الحالي، يرى الدبلوماسيون فرصاً قليلة لزيادة العتبة على أساس أكثر استدامة، بالنظر إلى مستوى العداء من حكومة بنيامين نتنياهو -حيث يحتل المتطرفون مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش مناصب رئيسية- لإجراء أي تنازلات للفلسطينيين.

منذ بداية الحرب، قام سموتريتش بتقييد تحويلات الإيرادات التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً في الضفة الغربية، كما هدد بعدم تجديد الإعفاء الحيوي الذي يسمح للبنوك الإسرائيلية بتقديم خدمات بنكية مراسلة لنظيراتها الفلسطينية.

قال الدبلوماسي إن هاتين المسألتين يمكن أن تلحقا ضرراً أكثر فورية باقتصاد الضفة الغربية من فائض الشيكل، لكنه أضاف أن الفائض النقدي يحتاج أيضاً إلى معالجة، وأضاف: «هناك سبب اقتصادي أساسي لرغبة في تحويل الشيكلات، إنها عبء اقتصادي».