في الأوقات الاقتصادية الجيدة، يسارع الساسة في الولايات المتحدة إلى إبراز دورهم من أجل الاستئثار بالتكريم وقصائد المدح، وفي الأوقات السيئة يكون اللوم على طرف آخر أو بالأحرى بنك الاحتياطي الفيدرالي.
الوضع الحالي للاقتصاد الأميركي يُعدّ جيداً، فقد جاء الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من هذا العام أفضل من المتوقع، حيث نما الاقتصاد بمعدل سنوي يقترب من 3 في المئة، وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة التوظيف، فإن سوق العمل استقبل 6 ملايين أميركي أكثر مما كان عليه الحال قبل الجائحة، ولكن قبل بضعة أشهر فقط من يوم الانتخابات، بدأ الاقتصاد يُظهِر بعض التراجع، حيث قفز معدل البطالة إلى أعلى مستوى له منذ خريف عام 2021 وكبح المستهلكون إنفاقهم، حتى إنهم تراجعوا عن الوجبات السريعة.
أسهم كلا الحزبين في هذا الوضع، ففي ظل إدارة ترامب تم تمرير حزمتي تحفيز لمواجهة جائحة كوفيد بتكلفة إجمالية تزيد على 3 تريليونات دولار، وفي ظل إدارة بايدن تم تمرير حزمة تحفيز ثالثة تكلفت ما يقرب من تريليوني دولار، والنتيجة ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من 40 عاماً.
وبالطبع لعبت الحرب الروسية الأوكرانية دوراً في زيادة التضخم من خلال التسبب في ارتفاع أسعار الطاقة، ما رفع تكاليف الإنتاج على الشركات والاستهلاك على المواطنين على حد سواء، لكن الإنفاق الضخم الذي وافق عليه كلا الحزبين لا يمكن استبعاده بالتأكيد.
وجد باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وستيت ستريت أنه في حين أن الارتفاع الأولي في التضخم كان بسبب الطلب المكبوت وقت الوباء، لكن القوة الدافعة للأسعار كانت بسبب طوفان الإنفاق الفيدرالي الذي كان يهدف إلى إنقاذ الاقتصاد من الركود.
الفيدرالي.. فعل أم رد فعل؟
في النهاية كان على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يواجه بقوة موجة التضخم من خلال رفع سعر الإقراض الرئيسي إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عقدين من الزمان، وظل عند هذا المستوى لمدة عام ما ساعد على جلب التضخم إلى نقطة قريبة من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المئة.
وحتى إذا أخذنا في الاعتبار تقرير الوظائف الصادر الأسبوع الماضي، سنرى أن البنك المركزي ما زال على المسار الصحيح لتحقيق «هبوط ناعم» نادر، وهو السيناريو الذي يتآكل فيه التضخم دون التسبب في خسائر كبيرة في الوظائف، لكن الآن يتساءل المزيد من الساسة عمّا إذا كان محافظو البنوك المركزية قد أبقوا أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة جداً.
بعد صدور تقرير الوظائف يوم الجمعة الماضي، قالت السيناتور الديمقراطية من ماساتشوستس، إليزابيث وارن، إن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول «ارتكب خطأً فادحاً بعدم خفض أسعار الفائدة»، في إشارة إلى أحدث اجتماع للسياسة للبنك المركزي، وقالت في منشور على موقع إكس حثت فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة على الفور «لقد تم تحذيره مراراً وتكراراً من أن الانتظار لفترة طويلة جداً قد يؤدي إلى دفع الاقتصاد إلى حفرة».
تتجاهل هذه الادعاءات الخط الدقيق الذي يتبعه بنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث يتولى مهمة تنظيف الاقتصاد عندما يتسبب القادة السياسيون في ارتفاع معدلات التضخم أو البطالة، في حين لا يتعين على الساسة أن يفعلوا الشيء نفسه إذا ما أخطأ بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ولم يخفّض مسؤولو الفيدرالي أسعار الفائدة حتى الآن لأنهم كانوا يحاولون التأكد من أن التقدم الذي أحرزوه في خفض التضخم إلى مستويات -أكثر قابلية للتحمل- لن ينهار إذا خففوا قبضتهم، وهم يقومون بالفعل باستخدام وفرة من البيانات الاقتصادية التي تغذي النماذج الإحصائية، فضلاً عن ذلك يجتمعون بأصحاب الأعمال وقادة المجتمع لفهم الظروف الاقتصادية بشكلٍ أفضل.
هذا لا يعني أن قرارات البنك الاحتياطي الفيدرالي صائبة دائماً، فقد ارتكب أخطاءً وسوف يرتكب المزيد، ولكن إلقاء اللوم عليه يشبه إلقاء اللوم على عامل النظافة في التسبب في تغيّر المناخ في حين أن وظيفته ببساطة هي جمع القمامة التي تراكمت على الأرض.