في اللحظات التي تعيش فيها باريس تحت الأضواء، حيث تستضيف الألعاب الأولمبية والبارالمبية 2024، ما يكشف عن إنجازات رائعة للجسد والعقل والروح البشرية، إلا أنه مع ذلك، أصبحت استضافة هذه الألعاب، في السنوات الأخيرة، مهمة غير قابلة للتحمل مالياً.

تأتي الفعاليات الصيفية والشتوية التي تقام كل أربع سنوات، بتكلفة ضخمة، في العقود الأخيرة، تعرضت الألعاب لمشكلات تتضمن تجاوزات في الميزانية، ديون طويلة الأمد، وبنية تحتية مهدورة، وتهجير السكان، وصراعات سياسية، وأضرار بيئية.

تأمل اللجنة الأولمبية الدولية في تصحيح المسار، بدءاً من ألعاب باريس 2024، وتسعى اللجنة إلى تبني نهج أكثر اقتصادية وصديق للبيئة، قال فيكتور ماثيسون، أستاذ الاقتصاد في كلية الصليب المقدس «ستكون هذه الأولمبياد الأولى منذ سيدني التي تكون تكاليفها الإجمالية أقل من 10 مليارات دولار». وأضاف «كان من الواضح أن المدن بدأت تدرك أن استضافة الألعاب تحت النظام القديم كانت كوارث مالية حقيقية».

ومع ذلك، يجادل بعض الاقتصاديين بأن الأولمبياد المستدامة يجب أن تختلف كثيراً عن الألعاب الحالية، قبل أربعين عاماً، كانت الألعاب الأولمبية أيضاً في مفترق طرق، بعد الألعاب الأولمبية في مدينة مكسيكو 1968 وميونيخ 1972، التي شهدت أعمال عنف، وتجاوزات كبيرة في تكاليف مونتريال 1976، كانت هناك قلة من المدن التي ترغب في استضافة ألعاب 1984، حسب ما قال أندرو زيمبالست، اقتصادي الرياضة في كلية سميث.

كانت لوس أنجلوس، المدينة الوحيدة التي تقدمت بعرض لاستضافة ألعاب 1984، قادرة على استخدام بنيتها التحتية الحالية، وتأمين رعايات تجارية مربحة، وتحويل الحدث إلى عملاق تسويقي، انتهت لجنة تنظيم الألعاب في لوس أنجلوس بفائض قدره 215 مليون دولار.

عندما أظهرت إمكانية تحقيق أرباح مغرية، اصطفّت المدن والدول للحصول على شرف استضافة الألعاب، ومع ذلك، أنفقت بعض المدن أكثر من 100 مليون دولار فقط على عملية التقديم، وغالباً ما تجاوزت التكاليف التقديرات الأولية بعد الفوز بالعروض.

وفقاً لدراسة من جامعة أكسفورد صدرت في مايو 2024، فإن خمساً من آخر ست ألعاب أولمبية شهدت تجاوزات في التكاليف تتجاوز 100% عند التكيف مع التضخم، وأشار الباحثون إلى أن جميع الألعاب شهدت تجاوزات في التكاليف، وهو ما لا يحدث مع أي نوع آخر من المشاريع الكبرى.

أصبح الإنفاق على الألعاب أكثر تبذيراً؛ أنفقت بكين أكثر من 40 مليار دولار على ألعاب 2008 الصيفية، وأنفقت سوتشي أكثر من 50 مليار دولار على ألعاب 2014 الشتوية، واقتربت تكاليف ريو من 20 مليار دولار لألعاب 2016 الصيفية، ومع ذلك، غالباً ما تُلغى معظم هذه التكاليف بخسائر اقتصادية وأعباء ديون طويلة الأمد.

تشمل الآثار القصيرة وطويلة الأمد أيضاً تكاليف غير مرئية مثل تهجير السكان ذوي الدخل المنخفض، وتغيير طابع الأحياء، والأضرار البيئية، قال زيمبالست: «يمكن القول إنه من الممكن أن يكون هناك فائض صغير أو استثمار جديد مفيد، لكن الادعاءات بأن الألعاب ستضع المدينة على الخريطة العالمية أو تجذب السياحة بشكل كبير مبالغ فيها».

أضافت أماندا فاهلين، أستاذة متخصصة في الأعمال الدولية والاقتصاد بجامعة فلوريدا، أن التأثير الاقتصادي لسياحة الأحداث الرياضية غالباً ما يكون غير واضح، على الرغم من أن الأحداث الرياضية تجذب الزوار، هناك أيضاً من يتجنب زيارة المدينة بسبب الحدث؛ ما يؤدي إلى تأثير اقتصادي متوازن.

فيما يتعلق بفوائد السياحة طويلة الأمد، أحياناً يتطلب الأمر استثمارات كبيرة بعد انتهاء الألعاب، أشارت فاهلين إلى بحيرة بلاسيد نيويورك كمثال، حيث استثمرت المدينة مئات الملايين في منشآتها الأولمبية منذ استضافتها للألعاب الشتوية عام 1980، وقالت: «بمجرد أن تستثمر في مشروع كبير له دعم سياسي، يصبح من الصعب إيقاف التمويل».

تأمل اللجنة الأولمبية الدولية والمجتمعات المضيفة في جعل الحدث أكثر استدامة، بالنسبة لألعاب باريس 2024 التي تتماشى مع جدول أعمال اللجنة الأولمبية الدولية 2020، أعلن المنظمون عن مبادرات لتقليل تأثير الألعاب، مثل بناء منشأة رياضية دائمة واحدة فقط والاعتماد على البنية التحتية الموجودة.

سيتم تحويل قرية الأولمبياد في باريس إلى مكاتب ومساكن في حي فقير، رغم المخاوف بشأن تهجير السكان وتأثيرات التغيير السلبية.

مع النظر إلى لوس أنجلوس 2028، ستعتمد الألعاب على البنية التحتية الحالية، وستُجرى بعض الأحداث على بعد 1300 ميل في أوكلاهوما، يقول الاقتصاديون إنه قد يتطلب الأمر تغييرات أكثر جذرية في المستقبل لضمان استدامة الأولمبياد اقتصادياً، وقد يأتي الحل في تعيين مدينة واحدة أو التناوب بين عدد قليل من المدن لاستضافة الألعاب بشكل دائم.

قالت فاهلين: «أحب الأولمبياد، لكن الطريقة التي تعمل بها الآن ليست نموذج عمل قابلاً للاستمرار، ليس من المنطقي اقتصادياً بناء شبكة ضخمة من البنية التحتية الرياضية كل أربع سنوات».