إن الانتخابات، وخاصة تلك المثيرة للجدال، تشكل تحدياً كبيراً للبنوك المركزية المستقلة، ولا يستطيع صناع السياسات النقدية أن يعرفوا السياسات الاقتصادية الكلية التي سيتم اختيارها في المرحلة التالية، ولا أن يتحدثوا بصراحة عن الآثار المترتبة على مقترحات المرشحين السياسية… ومن الواضح أنهم لا يريدون أن يوصفوا بالحزبية.

ومن المستحيل تقريباً أن نتوصل إلى توقعات مشروطة واقعية، ناهيك عن توقعات عامة.

وكتب آدم بونسون، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي مقالاً نشرته «فايننشال تايمز»، جاء فيه «لكن عندما تكون نتيجة الانتخابات غير مؤكدة، وتختلف مواقف الأحزاب السياسية بشأن السياسة المالية والنقدية والتجارية والتنظيمية -كما هي الحال في الولايات المتحدة الآن- فإن خطط السياسة النقدية لا بد أن تعتمد على النتائج، والثقة الساحقة التي تتمتع بها الأسواق والجمهور في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يشرع في سبتمبر أيلول في دورة من تخفيضات أسعار الفائدة حتى عامي 2025 و2026 تعني أن التحول المفاجئ في السياسة سوف يكون ضاراً بشكل خاص».

ذكر بونسون أن الفيدرالي مثل جميع البنوك المركزية، يكره إجراء تغييرات مفاجئة في الاتجاه ما لم تكن هناك صدمة واضحة، مثل كوفيد في مارس آذار 2020 أو انهيار ليمان براذرز وAIG في سبتمبر أيلول 2008.

ولكن بالنظر إلى التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة بعد الانتخابات، يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إعداد نفسه، والجمهور، على الأقل لاحتمال كبير للتحول إلى تشديد السياسة النقدية بحلول منتصف عام 2025.

«في ظل إدارة هاريس أو ترامب، من المرجح أن تكون السياسة المالية متساهلة، وإذا فاز ترامب فإن خطر التضخم سيكون أعظم، حيث سترتفع التعريفات الجمركية بشكل كبير عبر مجموعة من البلدان والصناعات، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى التضخم»، يتابع بونسون.

كما أن ترحيل العمال المهاجرين على نطاق واسع -كما تعهد ترامب والجمهوريون بسن تشريعات- من شأنه أن يؤدي إلى ركود تضخمي، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار من خلال نقص العمال في قطاعات معينة وخفض الإنتاج بشكل حاد.

وفي ظل حكم ترامب، سوف نشهد طفرة غير مستدامة من خلال تحرير الطاقة والبيئة والعمالة، وهذا من شأنه أن يتسبب في تحول الاقتصاد من التكنولوجيا الكبيرة والخضراء إلى الوقود الأحفوري والتصنيع القديم، وهو ما من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى التضخم، أي أن ترامب يهدد استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي وقوة الدولار.

بطبيعة الحال، قد لا يتحقق هذا التضخم والحاجة إلى رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة؛ فقد تكون الولايات المتحدة بالفعل متجهة نحو ركود لن تكون تخفيضات أسعار الفائدة التي يتوقعها بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام بنسبة 50-75 نقطة أساس والتراخي المالي كافية لمنعه، وقد تدخل السياسة المالية الصافية في وضع تقييدي بسبب الانهيار السياسي، ربما بسبب الاضطرابات المحيطة بنتيجة الانتخابات.

وقد تضرب التأثيرات الركودية لعمليات الترحيل الجماعي من قبل إدارة ترامب بقوة أكبر وأسرع من تأثيرها التضخمي، ولكن على الرغم من كل ذلك، فإن احتمال تسارع التضخم في عام 2025 يظل كبيراً.

إذاً، ما الذي ينبغي لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن يقوله في خطابه في ندوة محافظي البنوك المركزية هذا الأسبوع في جاكسون هول؟

يتعين عليه أن يوضح أن موقف السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي قد يتغير بعد الانتخابات، حتى لو أدى ذلك إلى خفض أسعار الفائدة في الأسابيع المقبلة، ويتعين عليه أيضاً تذكير الأسواق والأسر بالحقائق الاقتصادية الأساسية.

لقد أدلى باول بالفعل بتصريحات شجاعة ومحقة حول الفوائد المترتبة على الهجرة على جانب العرض، وينبغي له أن يكرر التأثيرات التضخمية الناجمة عن الترحيل الجماعي، وأن يشير إلى أن الغالبية العظمى من الرسوم الجمركية يدفعها المشترون الأميركيون، وبالتالي فإنها ستؤدي إلى تأجيج التضخم، وينبغي له أن يتحدث بالطريقة المعتادة التي يتحدث بها محافظو البنوك المركزية عن عدم استدامة المسار المالي الحالي.

يشير بونسون إلى أنه غالباً ما يجد محافظو البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم أنفسهم في موقف يفرض عليهم تقديم اختبارات واقعية للعامة، حتى في خضم انتخابات مثيرة للجدال، والحقيقة أن ضرورة هذا الأمر الآن بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي تظهر مدى تدهور المناقشة السياسية حول السياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة.

وزاد بونسون «كما حدث مع بنك إنجلترا قبيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو البنوك المركزية في البلدان النامية المعرضة لارتفاع التضخم، يتعين على شخص ما أن يذكر الجمهور ببعض الحقائق الأساسية حول السياسة الاقتصادية، مع تجنب قول أي شيء عن الأحزاب أو المرشحين المتنافسين».

يرى بونسون أن الأمر لا يتعلق بالتأثير على نتائج الانتخابات أو الخيارات السياسية التي قد يتخذها الرئيس المنتخب، بل يتعلق الأمر بالصدق مع الشعب الأميركي بشأن المخاطر التي قد تواجهها السياسة النقدية.

إن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يحتاج الآن إلى البدء بإرساء الأساس لتحول محتمل، فبدلاً من مجرد الأمل في عدم ظهور العوامل التي قد تدفع إلى انعكاس في السياسة، أو أن تغيير المسار فجأة عندما يكون التضخم موجوداً بالفعل سيكون أكثر حكمة من الناحية السياسية، يتعين عليه أن يبدأ في وضع الأساس لتحول محتمل الآن.

يضيف بونسون «إن ترك التغيير في التوقعات لمفاجأة نوفمبر تشرين الثاني، أو الانتظار على الأرجح حتى يمرر الكونغرس الميزانية الفيدرالية في مارس آذار أو أبريل نيسان من العام المقبل، من شأنه أن يهيئ الأسواق والأسر لصدمة، وهذا من شأنه أن يضاعف الضرر الناجم عن الأخطاء التي سترتكبها أي إدارة من أي من الطرفين حتماً».