شهدت السنوات الأخيرة تفوقاً ملحوظاً لصالح الصين على حساب الولايات المتحدة في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل القارة السمراء، ما يسلط الضوء على التطور المطّرد للعلاقات الاقتصادية بين الصين وإفريقيا.
وقفزت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي من الصين إلى إفريقيا من نحو 75 مليون دولار في عام 2003، لتصل إلى خمسة مليارات دولار في عام 2022، وهو ما يمثل نحو 4.4 في المئة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة.
كما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري ثنائي لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا على مدى السنوات العشرين الماضية، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي التي أظهرت أنه بحلول 2023 استحوذت الصين على 20 في المئة من صادرات المنطقة، مع حجم تبادل تجاري بلغ 282 مليار دولار، ما يمثل رقماً قياسياً.
تفوق الصين على أميركا
برزت الاستثمارات الصينية في إفريقيا منذ أكثر من عقدين، لكن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي من الصين استطاعت التفوق بشكل ملحوظ على نظيرتها من الولايات المتحدة في العقد الأخير على وجه خاص، وفقاً لبيانات مبادرة الأبحاث الصينية الإفريقية التي اعتمدت على أرقام وزارة التجارة الصينية ومكتب إحصاءات العمل الأميركي.
جاء ذلك مدعوماً من اتجاه دول القارة السمراء وبخاصة دول شمال إفريقيا، التي اعتمدت تاريخياً على التجارة والاستثمار الآتيين من أوروبا والولايات المتحدة، إلى تنويع أسواقها وشركائها الاقتصاديين في أعقاب الركود العالمي عام 2008 وأزمة منطقة اليورو.
وتزامن هذا التحول مع تفكك ارتباط الولايات المتحدة رويداً رويداً بالشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا، وهو ما يظهر بوضوح خاصة في السنوات 2016، و2018، و2019، و2021، التي سجلت فيها أميركا تدفقات استثمارات أجنبية سلبية في قارة إفريقيا.
مبادرة الحزام والطريق
أُطلقت مبادرة الحزام والطريق في عام 2013 كاستراتيجية تنمية عالمية على أنقاض طريق الحرير، بهدف ربط الصين بالعالم، وتركز على توجيه الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في المقام الأول نحو البنية التحتية للنقل والطاقة والتعدين.
ومن خلال هذا الارتباط، تهيّئ الصين منطقة شمال إفريقيا لتضطلع بدور حيوي في الربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهو هدف أساسي لمبادرة الحزام والطريق، وبالفعل وقعت الصين مذكّرات تفاهم مع كل دولة في شمال إفريقيا، ما يؤكد هدفها توسيع انتشارها في المنطقة.
وفي عامي 2020 و2021، واصلت الصين وإفريقيا تعزيز تعاونهما الاقتصادي من خلال خطط ومبادرات استراتيجية مختلفة ضمن أطر مبادرة الحزام والطريق ومنتدى التعاون الصيني الإفريقي (فوكاك).
وتركز خطة التعاون هذه على مواءمة مبادرة الحزام والطريق مع أجندة الاتحاد الإفريقي لعام 2063، وهي إطار استراتيجي للتحول الاجتماعي والاقتصادي للقارة على مدار الخمسين عاماً القادمة، وبخاصة في قطاعات البنية التحتية والتعدين والبناء.
أبرز الدول الإفريقية الجاذبة للصين
تتصدر جنوب إفريقيا دول القارة السمراء الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة من الصين، والتي بلغت نحو 683.1 مليون دولار في عام 2022، تليها النيجر والكونغو الديمقراطية في المركزين الثاني والثالث مع تدفقات بقيمة 567.1 مليون دولار و391.1 مليون دولار على الترتيب في العام ذاته.
كما تبرز مصر ودولة كوت ديفوار مع تدفقات استثمارية من الصين تتجاوز 200 مليون دولار في عام 2022، ثم تأتي زامبيا وإريتريا ونيجيريا وأوغندا وموريشيوس في المراتب التالية مع تدفقات تجاوزت 100 مليون دولار في العام ذاته.
ووفقاً لتوقعات المنتدى الاقتصادي العالمي، من المرجح أن يقود القطاع الخاص في الصين، وليس الشركات التي تديرها الدولة، التجارة والاستثمار في إفريقيا خلال العقد المقبل، مشيراً إلى أنه من بين 3000 شركة صينية تستثمر في إفريقيا، أكثر من 70 في المئة منها شركات تابعة للقطاع الخاص.
ويذكر أنه أطلقت أول خطة عمل للقطاع الخاص لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في يناير كانون الثاني 2024.