يتوجه زعماء أفارقة إلى العاصمة الصينية بكين هذا الأسبوع، سعياً للحصول على تمويل لمشاريع البنية التحتية الضخمة، استغلالاً لتصاعد المنافسة بين القوى العظمى على الموارد والنفوذ في القارة السمراء.
توسعت علاقات الصين مع الدول الإفريقية في العقد الماضي، وزودتها بمليارات الدولارات في شكل قروض لتمويل تحسين البنية التحتية، لكنها أثارت الجدل في بعض الأحيان بسبب تحميل الدول ديوناً ضخمة.
وقالت بكين إن منتدى الصين وإفريقيا هذا الأسبوع سيكون أكبر حدث دبلوماسي لها منذ جائحة كورونا، وأكد زعماء جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا ودول أخرى حضورهم، ومن المتوقع مشاركة عشرات الوفود.
وقال محلل السياسات في شركة الاستشارات، ديفيلوبمنت ريماجيند، أوفيغوي إيغوي لوكالة فرانس برس إن الدول الإفريقية «تتطلع إلى الاستفادة من الصين لدعم النمو».
والصين هي أكبر شريك تجاري لإفريقيا، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية 167.8 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية الصينية.
ووجد بحث أجرته قاعدة بيانات القروض الصينية لإفريقيا أن قروض بكين للدول الإفريقية العام الماضي كانت الأعلى لها في خمس سنوات، وكان أكبر المقترضين هم أنغولا وإثيوبيا ومصر ونيجيريا وكينيا.
لكن المحللين قالوا إن التباطؤ الاقتصادي في الصين جعل بكين مترددة بشكل متزايد في مواصلة الإقراض ببذخ، بل تقاوم الصين المطالب بتخفيف أثر الديون على الدول الإفريقية، التي اضطرت إلى خفض الإنفاق على الخدمات العامة الحيوية من أجل سداد الديون الصينية.
وقال الباحث في جامعة تسينغهوا، تانغ شياويانغ إنه منذ المنتدى الصيني الإفريقي الأخير قبل ست سنوات «شهد العالم الكثير من التغييرات»، وإن «النموذج القديم لقروض البنية التحتية وتسريع التصنيع» لم يعد ممكناً.
مشاريع ضخمة متوقفة
تعد قارة إفريقيا محطة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين.
والمبادرة عبارة عن مشروع ضخم للبنية التحتية وركيزة أساسية لمحاولة شي جين بينغ لتوسيع نفوذ الصين في الخارج، وقد قدمت مبادرة الحزام والطريق الاستثمارات التي تحتاج إليها الدول الإفريقية لتطوير مشاريع السكك الحديدية والموانئ ومحطات الطاقة الكهرومائية، لكن المنتقدين يتهمون بكين بإرهاق الدول بالديون.
في كينيا انتهى تنفيذ المرحلة الاولى من خط سكة حديدية يربط العاصمة نيروبي بمدينة مومباسا الساحلية بقيمة 5 مليارات دولار مُقدمة من بنك إكسيم الصيني، لكن المرحلة الثانية التي كان من المفترض أن تمد الخط إلى أوغندا لم تتحقق أبداً، وكافح البلدان لسداد ديون مبادرة الحزام والطريق.
وطلب الرئيس الكيني، ويليام روتو، العام الماضي، من الصين قرضاً بقيمة مليار دولار وإعادة هيكلة الديون القائمة لاستكمال مشاريع أخرى متوقفة في مبادرة الحزام والطريق.
وتدين كينيا الآن للصين بأكثر من 8 مليارات دولار.
وتأججت الاحتجاجات الدامية الأخيرة في كينيا بسبب تقليص الحكومة الإنفاق العام حتى تستطيع سداد «خدمة أعباء ديونها للدائنين الدوليين، بما في ذلك الصين»، كما قال رئيس برنامج إفريقيا في تشاتام هاوس في لندن، أليكس فاينز.
وفي ضوء مثل هذه الأحداث، يتوقع فاينز وغيره من المحللين أن يسعى الزعماء الأفارقة في منتدى هذا الأسبوع ليس فقط إلى جذب المزيد من الاستثمارات الصينية، ولكن أيضاً إلى الحصول على قروض بشروط أكثر ملاءمة لظروف بلادهم.
الافتقار إلى التوازن
في وسط إفريقيا تتسابق الشركات الغربية والصينية لتأمين الوصول إلى المعادن النادرة، وتتمتع القارة باحتياطات مهولة من المنغنيز والكوبالت والنيكل والليثيوم، وهي المعادن التي تشكل أهمية بالغة لتكنولوجيا الطاقة المتجددة.
وتحتوي منطقة مواندا في الغابون وحدها على ما يصل إلى ربع الاحتياطيات العالمية المعروفة من المنغنيز، وتمثل جنوب إفريقيا 37 في المئة من الإنتاج العالمي من المعدن.
وتهيمن جمهورية الكونغو الديمقراطية على تعدين الكوبالت، إذ تسيطر على 70 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي، لكن الصين تسيطر على 50 في المئة من عمليات المعالجة.
ووصلت التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين إلى ملعب إفريقيا، وتحذِّر واشنطن مما تراه نفوذاً خبيثاً لبكين، وفي عام 2022 قال البيت الأبيض إن الصين تسعى إلى «تعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الضيقة وتقويض الشفافية والانفتاح في القارة».
وبينما يخشى المحللون أن تضطر الدول الإفريقية إلى اختيار جانب في هذا الصراع، يقول محلل السياسات في شركة الاستشارات ديفيلوبمنت ريماجيند، إيغوي «تفتقر الدول الإفريقية إلى فرض التوازن ضد نفوذ الصين، يعتقد بعض الناس أنه يمكنك استخدام الولايات المتحدة لتحقيق التوازن مع الصين، لا يمكنك ذلك».
(أ ف ب)