إعلان جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، عن نيته تخفيض أسعار الفائدة في سبتمبر أيلول الحالي، يأتي بعد نحو عامين من رفع وتثبيت أسعار الفائدة.. لكن هل سيؤثر هذا القرار على جذب الاستثمارات في الأسواق الناشئة، ومنها مصر؟

عادةً ما يُحفز الاستثمار في أذون خزانة الدول الناشئة شهية المستثمرين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة عليها، ولكن عند رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة تتجه الاستثمارات إلى الولايات المتحدة نظراً لقوة اقتصادها وتصنيفها الائتماني العالي.. وعلى الرغم من ارتفاع التضخم، تبقى الأذون الأميركية أقل مخاطرة.

وفي هذا السياق، قال هاني أبو الفتوح، الرئيس التنفيذي لشركة «الراية» للاستشارات المالية، في اتصال مع (CNN الاقتصادية) «إن تخفيض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة لا يعني بالضرورة تدفقاً كبيراً للأموال الساخنة للاستثمار في أذون الخزانة المصرية لعدة عوامل؛ أولها نسبة التضخم الكبيرة التي تعيشها مصر، وثانيها أن مصر لا تزال في مرحلة التعافي بعد الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي مرت بها خلال العامين الماضيين.. والدليل هو عدم تغيير وكالات التصنيف الائتماني علامة الاقتصاد المصري، والاكتفاء فقط بتغيير النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري».

تراجع التصنيف الائتماني

شهدت مصر تراجعاً في تصنيفها الائتماني من قبل الوكالات الثلاث الكبرى خلال العامين الماضيين، نتيجةً للتضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية في سبتمبر أيلول من العام الماضي (2023)، بسبب ضعف الجنيه المصري وظهور السوق السوداء التي فرضت قواعدها لمدة تقارب 20 شهراً وصل فيها سعر الدولار إلى ذروته في فبراير شباط الماضي حين بيع كل دولار مقابل 70 جنيهاً.

وشهدت مصر أربع موجات من تخفيض العملة، كان آخرها في السادس من مارس آذار الماضي، ليصل سعر الدولار رسمياً إلى نحو 50 جنيهاً.

تدفق الأموال الساخنة

مع التخفيض الأخير لقيمة الجنيه، شهدت مصر تدفقاً كبيراً للأموال الساخنة في الشهر الذي تلا تعويم الجنيه، وتُقدر هذه الاستثمارات ما بين 30 و35 مليار دولار، بحسب عبد النبي عبد المطلب، الخبير الاقتصادي والباحث السابق بوزارة التجارة الخارجية في مصر، الذي أكد في اتصال مع (CNN الاقتصادية) أن «الاستثمارات في السندات المصرية وصلت لمستويات مرتفعة بعد التعويم الأخير للجنيه، وقد يُسهم تخفيض الفيدرالي للفائدة في زيادة دخول الأموال الساخنة إلى مصر لتصل إلى ما بين 40 و50 مليار دولار أميركي قبل نهاية العام، وفي حالة عدم تدفق أموال جديدة فإن الاستثمارات الحالية لن تخرج بسبب ارتفاع الفائدة في مصر».

وتُقدر نسبة الفائدة على أذون الخزانة التي يصدرها البنك المركزي المصري نيابةً عن وزارة المالية بنحو 29.62 في المئة، وارتفاع هذه الفائدة هو العامل الرئيسي في جذب الأموال الساخنة إلى السوق المصرية، وهي مبالغ تستخدمها الحكومة المصرية في سد عجز الموازنة.

التحديات الاقتصادية

الأموال الساخنة معروفة بسرعة حركتها؛ فهي تدخل وتخرج بسرعة عالية، ما يجعل نسبتها متغيرة بوتيرة كبيرة.

وبحسب بيانات البنك المركزي المصري الأخيرة، بلغ حجم الدين المصري تحت بند السندات نحو 28.9 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من العام المالي 2023-2024، والمنتهي في مارس آذار الماضي.

ومن المتوقع ظهور ارتفاع في حجم السندات مع الإعلان القادم لبيانات المركزي المصري.

ويضيف عبد المطلب أنه على الرغم من توقع انخفاض التضخم في مصر فإنّ المركزي المصري سيبقي على معدلات الفائدة عند مستوياتها الحالية، التي تبلغ 28 في المئة، للحفاظ على الأموال الساخنة داخل الجهاز المصرفي المصري ومنع خروجها؛ ما قد يعرض الاقتصاد إلى هزة جديدة إذا خرجت مليارات الدولارات مجدداً.

خلفية الأزمة الاقتصادية

شهدت مصر أزمة اقتصادية حادة منذ بداية عام 2022، تفاقمت بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً.

هذا إلى جانب مشكلات داخلية مثل ضعف العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، وتفاقم عجز الميزانية؛ أدت هذه العوامل مجتمعة إلى خروج كبير لرؤوس الأموال الأجنبية من السوق المصرية، حيث فقد الاقتصاد المصري أكثر من 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في أقل من عام.

وللتعامل مع الأزمة، اضطرت الحكومة المصرية إلى اللجوء لتعويم الجنيه وتبني إجراءات تقشفية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة.

ورغم هذه التحديات، تسعى الحكومة المصرية جاهدة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات مرة أخرى.