لقد اعتُبر الذهاب إلى الجامعة في أميركا لفترة طويلة بمثابة تذكرة للحصول على وظيفة ذات راتب أعلى، لكن الحصة المتزايدة من خريجي المدارس الثانوية الذين يلتحقون بالمدارس المهنية بدلاً من البرامج الجامعية التي تستغرق أربع سنوات قد لا تفوتهم الكثير من إمكانيات الكسب كما قد يظن البعض.
من عام 2019 إلى 2024، انخفضت معدلات التوظيف للعمال في العشرينيات من عمرهم في الوظائف التي تتطلب عادةً شهادة بكالوريوس، بينما ارتفعت معدلات التوظيف للوظائف التي تتطلب شهادة مهنية أو شهادة زمالة، وفقاً لبيانات من شركة معالجة الرواتب الوطنية إيه دي بي.
وخلال تلك الفترة التي امتدت لخمس سنوات، انخفضت نسبة التسجيل في برامج البكالوريوس بنسبة 4 في المئة، بينما زادت نسبة التسجيل في المدارس المهنية بنسبة 5 في المئة، وفقاً لبيانات من مكتب مسح الطلاب الوطني.
وقال بارت تايلور، أستاذ في جامعة تكساس، والذي يدرس تطوير المناهج لبرامج التعليم المهني والتقني «إن وعد الدخول السريع إلى سوق العمل، وانخفاض تكاليف التعليم، والقدرة على كسب أجور أعلى في وقت مبكر من مسيرتهم المهنية هي أسباب مقنعة لهذا الاتجاه».
هذا يعني أنه بينما تظهر سوق العمل بشكل عام علامات على التباطؤ، فإن التوظيف للعمال الذين لا يحملون شهادة جامعية يمكن أن يظل مصدر قوة للاقتصاد.
تظهر بيانات مؤشر نمو الأجور من الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا أن معدلات نمو الأجور للعمال الحاصلين على درجات مهنية أو درجات زمالة تعادل تلك الخاصة بخريجي درجة البكالوريوس.
وبهذا، حصل حاملو درجة البكالوريوس على راتب أسبوعي متوسط قدره 1493 دولاراً العام الماضي، مقارنةً بـ1058 دولاراً التي حصل عليها حاملو درجة الدبلوم، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل، تشمل بيانات الحاصلين على درجة الزمالة الأشخاص الذين تخرجوا من البرامج الأكاديمية والمهنية.
لكن بعض الصناعات التي تستهدف العمال الذين لا يحملون شهادة جامعية تحقق نمواً أعلى في الأجور مقارنة بالصناعات التي تفضل حاملي الشهادات، على سبيل المثال ارتفعت أجور عمال البناء بنسبة 4.3 في المئة في المتوسط على مدار 12 شهراً حتى يوليو تموز؛ وفي قطاع الخدمات المهنية، زادت الأجور بنسبة 3.9 في المئة، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل.
لا تزال آثار الجائحة تتجلى في سوق العمل
قال تايلور، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس قسم التعليم التجاري والصناعي في جمعية التعليم المهني والتقني، إن جزءاً من التحول نحو التسجيل في المدارس التجارية والمهنية منبثق من إعادة تقييم العمل اليدوي الذي حدث خلال الجائحة، «هذا دفع أصحاب العمل إلى تقديم أجور ومزايا أكثر تنافسية لجذب والاحتفاظ بالعمال».
وأضاف أنه لا يمكن تعليم الخبرة العملية والتطبيقية المطلوبة للعديد من الوظائف اليدوية عبر الإنترنت خلال الجائحة، على سبيل المثال «على الرغم من أنه يمكن تعليم مفاهيم اللحام عبر الإنترنت، فإن الطلاب حُرموا من الوقت العملي الحاسم الذي يحتاجون إليه مع المعدات الحقيقية».
الآن بعد أن عادت العديد من تلك البرامج للعمل بشكل طبيعي مرة أخرى، يقوم المزيد من الأميركيين بتطوير مهارات التجارة لتولي وظائف لا يزال هناك نقص في العمالة الماهرة فيها، مثل الكهربائيين، والنجارين، والسباكين.
مخاوف الذكاء الاصطناعي تعزز العمالة اليدوية
قال بن هانويل، مدير أبحاث تحليلات الأفراد في معهد أبحاث إيه دي بي، إن عاملاً آخر وراء التحول نحو التسجيل في المدارس المهنية والتجارية هو تقدم الذكاء الاصطناعي.
ففي جميع الفئات العمرية الرئيسية، يشعر الأميركيون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً بأكبر قدر من القلق بشأن استبدال الذكاء الاصطناعي لبعض أو معظم وظائفهم الحالية، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته شركة إيه دي بي.
يمكن أن يساعد هذا في تفسير سبب ارتفاع نسبة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاماً الذين يعملون في الوظائف اليدوية بشكل أسرع في السنوات الأخيرة، ولا تزال هذه النسبة أعلى مقارنة بالأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و39 عاماً، وفقاً لتقرير كتبه هانويل في أغسطس آب الماضي، قال إنه -بشكل عام- يُعتقد أن الأعمال «ذات الياقات الزرقاء»، أو تلك التي تتطلب المزيد من العمل اليدوي، أقل عرضة للاستبدال بالذكاء الاصطناعي.
وأضاف «يمكن أن يسهم هذا الأمان النسبي في الوظيفة في الطلب المستمر على هذه الأعمال، علاوة على ذلك مع تطور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، قد يعزز الطلب على العمال، الذين يمكنهم صيانة وتشغيل والعمل جنباً إلى جنب مع هذه التقنيات، من قيمة المهارات الحرفية».
هل ستستمر العوائد الكبيرة للعمالة اليدوية؟
ليس من الواضح كيف سيتحمل العمال ذوو الياقات الزرقاء مقارنة بالعمال ذوي الياقات البيضاء إذا شهد سوق العمل بشكل عام تباطؤاً أكبر.
على أي حال، قال تايلور إنه واثق من أن «التقدير للحرف الماهرة من المحتمل أن يستمر».
وأضاف «ومع ذلك، قد تؤدي أزمة اقتصادية شديدة إلى إبطاء وتيرة نمو الأجور وقد تؤدي أيضاً إلى مزيد من تقلبات الوظائف».
(إليزابيث بوكوالد – CNN)