تزخر شوارع مصر وصفحات التواصل الاجتماعي بإعلانات تحمل صور أشخاص تبدو عليهم السعادة بفضل استخدامهم تطبيقات التمويل الاستهلاكي التي اجتذبت أكثر من مليون شخص العام الماضي فقط.

هذه التطبيقات بمنزلة بطاقة ائتمان رقمية يثبتها المستخدمون على هواتفهم، وبلمسات سريعة على الشاشة تتم عمليات الشراء، بعد أن تكون الشركات قد تأكدت من تاريخهم المصرفي وجدارتهم الائتمانية، فضلاً عن قدرتهم على السداد مستقبلاً. وكل هذه الخطوات لا تستغرق سوى بضع دقائق.

وبحسب هيئة الرقابة المالية بمصر، وصل عدد المستفيدين من التمويل الاستهلاكي حتى نهاية الربع الثالث من 2022 نحو مليوني شخص، ارتفاعا من حوالي 963 ألفا في الفترة نفسها من العام السابق، في حين تخطى حجم التمويلات العشرين مليار جنيه (ما يقرب من 711 مليون دولار).

يقول ماهر (58 عاما)، والذي فضّل الاقتصار على اسمه الأول، «بدأت أستخدم هذه التطبيقات قبل ستة أشهر… قبل عام كنت أشتري كل ما أحتاج إليه نقداً، لكن بسبب الوضع الاقتصادي أدفع بالتقسيط بفضل هذه البرامج».

يشهد القطاع نموّاً كبيراً في مصر، إذ أصبح «التمويل الاستهلاكي هو الحل الوحيد المتاح في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني»، بحسب هشام عبد الغفار المُحاضر في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية في القاهرة.

يقول عبد الفغار، متحدثا إلى «CNN الاقتصادية» إنه «قبل بداية الأزمة الحالية، كان الأفراد يتمتعون بصافي دخل شخصي متاح مقبول يسمح لهم بشراء حاجاتهم من الأجهزة والسلع أو استخدامه في السفر. اليوم صافي الدخل الشخصي المتاح لم يعد متاحاً ولا كافياً بسبب الوضع الاقتصادي، فيلجؤون إلى الشراء بفوائد تصل أحيانًا إلى 30 في المئة».

ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية في ديسمبر كانون الأول إلى 21.3 في المئة – الأعلى منذ ديسمبر كانون الأول 2017– ليصل إجمالي التضخم في 2022 إلى 21.9 في المئة.

وفقد الجنيه المصري الكثير من قيمته في سلسلة تخفيضات متتالية، بدأت في مارس آذار 2022 إثر اندلاع الحرب الأوكرانية.

لا يختلف المشهد كثيراً مع أحمد سلامة (31 عاماً)، الموظف في إحدى شركات التطوير العقاري، إذ لا يصل راتبه الشهري إلى أربعة آلاف جنيه. سلامة لا يخفي فرحته بموافقة الشركة على منحه تمويلاً يوازي قيمة راتبه، وإن كان لا يعرف بعد ماذا سيشتري به. يقول «إذا احتجت لشراء شيء لن أكون مضطراً لانتظار نزول الراتب نهاية الشهر. كل هذه البرامج تحصل على فائدة مرتفعة، ولكن التعامل بها أصبح ضرورياً».

وفي حديث مع «CNN الاقتصادية»، قال سعيد زعتر، رئيس مجلس إدارة شركة كونتكت القابضة، العاملة في مجال التمويل الاستهلاكي بمصر، «منحنا تمويلات استهلاكية في عام 2022 بنحو تسعة مليارات جنيه، بنسبة نمو بلغت 62 في المئة، مقابل خمسة مليارات جنيه في العام السابق، فقررنا التوسع في الكثير من المحافظات. نمنح موافقات فورية بفضل تطوير نظام للذكاء الاصطناعي. كل هذا ساعد على تحسن الأرقام بهذا الشكل الملحوظ».

ولا يخفي زعتر طموحه في التوسع بأفرع جديدة في الخارج «لخدمة المصريين في بعض دول الخليج».

بدأت كونتكت العمل في السوق المصرية قبل نحو 20 عاماً في مجال تمويل شراء السيارات، ثم تحولت إلى التمويل الاستهلاكي لشتى المنتجات قبل خمس سنوات، وهي تسيطر، مع شركة فاليو التابعة للمجموعة المالية هيرميس، على الحصة الأكبر في السوق المصرية، إذ تستحوذان معاً على نحو 65 في المئة، بينما تتقاسم نحو 40 شركة أخرى النسبة الباقية.

زياد حازم، مدير أحد فروع الشركة، يعزو التوسع إلى عوامل عديدة، ويقول إن كونتكت تشهد «دخول سبعة آلاف عميل جديد كل أسبوع. كل طبقات المجتمع تستخدم التمويل الاستهلاكي. عملاؤنا مدرّسون وموظّفون وفنّيون ومديرون… بعض العملاء يفضلون الدفع بالتقسيط وإن كانوا يمتلكون السيولة، إذ تنخفض القوة الشرائية للمال مع الوقت. لكن العامل الرئيسي هو انخفاض قدرة بعض الأشخاص على الإنفاق بسبب التضخم وارتفاع سعر الصرف».

وتتوقع هيئة الرقابة المالية، المُنظّمة للقطاع، أن يبلغ حجم التمويل الاستهلاكي في مصر نحو 50 مليار جنيه بحلول 2026، لكنّ مسؤولي شركات التمويل الاستهلاكي والمراقبين يتوقعون أن تصل السوق لهذا الرقم نهاية العام القادم.

ورغم سلاسلة الإجراءات، قد لا يتمكن ماهر اليوم من شراء المجمّد (ديب فريزر) الذي يرغب فيه ويصل سعره إلى 12 ألف جنيه، إذ سيخضع طلبه لإجراءات إضافية للتأكد من قدرته على السداد. يقول «ربما سأحصل على الموافقة بالتمويل أو ربما سيرفضون، لكن لا يهم فعدم وجود فريزر لن يتسبب في توقف حياتنا».

أما عبد الغفار فيخشى تطبيق أسعار فائدة أعلى خلال الفترة المقبلة بسبب استمرار البنك المركزي في رفع معدلات الفائدة القياسية، «وقد يؤدي ذلك إلى تعسر الكثير من المستفيدين أو يفقدون القدرة على السداد»، على حد قول المُحاضر في الجامعة الأمريكية.

يبدو أن التمويل الاستهلاكي قد حضر لا لمجرد البقاء، بل لينمو ويتوسع وينتشر، خاصة في ضوء الوضع المالي والاقتصادي الحالي في مصر؛ يقول ماهر ساخراً «إذا استمر الوضع الاقتصادي في التدهور، ربما سأشتري الطعام بتطبيقات التمويل الاستهلاكي».