تحتفل جمهورية الصين الشعبية بالذكرى الخامسة والسبعين على تأسيسها، ولكن ليس الجميع في روح الاحتفال وسط مخاوف اقتصادية تتصدر المشهد.

كان هذا التشاؤم بعيداً كل البعد عن التوقعات المتفائلة قبل خمس سنوات فقط، خلال آخر احتفالات باليوم الوطني في عام 2019، ففي ذلك الوقت، كان خبراء الاقتصاد يسارعون إلى التنبؤ بموعد تجاوز الصين للولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم.

أما الآن، فتركز المحادثات على كيفية تمكن بكين من تجنب تكرار «العقد الضائع» من الركود الاقتصادي في اليابان بعد انفجار فقاعة العقارات في التسعينيات.

محاولات للخروج من عنق الزجاجة

أدت حملة شي على القطاع الخاص، من شركات التكنولوجيا الكبرى إلى الدروس الخصوصية، إلى القضاء على العديد من الوظائف التي كانت متاحة في السابق لخريجي الصين الجدد، وارتفع معدل البطالة بين الشباب إلى 18.8 في المئة في أغسطس 2024.

والآن، تواجه العقول الشابة في البلاد صعوبة في الحصول على وظيفة؛ ويعاني المهنيون من ذوي الياقات البيضاء من خفض الأجور وتسريح العمال؛ بينما يكافح رواد الأعمال لتمويل أعمالهم وسداد الديون؛ وتتقلص ثروات أسر الطبقة المتوسطة بسبب انهيار أسعار المساكن؛ وتسابق الأثرياء لنقل الأموال خارج البلاد.

لكن في الأسبوع الماضي، بعد أشهر من البيانات الاقتصادية القاتمة بشكل متزايد، أعطى الزعيم الصيني شي جين بينغ أخيراً الموافقة على حزمة تحفيز مطلوبة بشدة في محاولة لتعزيز الثقة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وكشف أيضاً البنك المركزي في البلاد، يوم الثلاثاء الماضي، عن مجموعة من التدابير لمواجهة انخفاض الأسعار، بما في ذلك السماح للبنوك التجارية بإقراض المزيد من المال وجعل الاقتراض أرخص بالنسبة للأسر والشركات.

وواصل المسؤولون دق الطبول الإيجابية في اليوم التالي، بالإعلان عن توزيعات نقدية نادرة للمواطنين المحرومين، وتعهدوا بتقديم إعانات للخريجين الجدد الذين يكافحون من أجل العثور على عمل.

وفقاً لشو تيان تشن، كبير الاقتصاديين في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، فإن «الطرح النادر والمتزامن للعديد من التدابير أكد الحاجة الملحة لصناع السياسات لدعم الاقتصاد».

الاقتصاد الصيني في أرقام

سوق الأسهم تهلل فرحاً.. ولكن

أعطت السياسة السريعة جرعة من الأدرينالين لسوق الأسهم الكئيبة في البلاد قبل أيام من العطلة الوطنية التي تستمر أسبوعاً وتبدأ غداً الثلاثاء، إذ ارتفعت أسهم الشركات الصينية الكبرى بأكثر من 15 في المئة الأسبوع الماضي في أكبر مكسب أسبوعي لها منذ ما يقرب من 16 عاماً، وصعد مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 13 في المئة، مسجلاً أفضل أسبوع له منذ عام 1998.

وعلى مدار تعاملات اليوم الاثنين، تجاوز إجمالي حجم التداول في بورصتي شنغهاي وشنتشن 1.8 تريليون يوان (228 مليار دولار)، مسجلاً أعلى مستوى قياسي، وفقاً لصحيفة سيكيوريتيز تايمز، وهي صحيفة مالية تديرها الدولة.

وقد تكون سوق الأسهم في خضم واحدة من أكثر تحولاتها المذهلة، لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن عكس التباطؤ الاقتصادي في الصين سيتطلب المزيد من العمل.

وقال لوغان رايت مدير أبحاث أسواق الصين في مجموعة روديوم «إن تحفيز سوق الأسهم لا يفعل الكثير حقاً للاقتصاد الحقيقي في الصين، إذ يستثمر عدد قليل جداً من الناس في سوق الأسهم مقارنة بالأسواق الكبرى الأخرى، خاصة العقارات».

العقبة الكبرى: العقارات

بعد عقود من الازدهار، دخل قطاع العقارات في الصين الآن عامه الرابع من الانكماش منذ الوقوع في أزمة عميقة في عام 2020، عندما اتخذت الحكومة إجراءات صارمة ضد الاقتراض المفرط من قبل المطورين لكبح جماح ديونهم المرتفعة.

ويكشف الواقع أن البلاد لديها الآن عدد كبير من الشقق الفارغة، لدرجة أن سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة لا يكفيهم شغل هذه الشقق، وما يزيد الطين بلة أن عدد السكان كان يتقلص على مدى عامين، وهو التحول الديموغرافي الذي قد يعوق النمو في المستقبل.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال خبراء اقتصاد في باركليز إن الأسر الصينية عانت من خسارة هائلة في الثروة بسبب الركود في سوق العقارات، التي تقدر بنحو 18 تريليون دولار، الأمر الذي يبدو وكأن كل أسرة مكونة من ثلاثة أفراد في الصين خسرت نحو 60 ألف دولار، وهو مبلغ يعادل خمسة أمثال نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين.

ورغم أن الإعانات النقدية والإعانات لمرة واحدة قد تعزز الاستهلاك في الأمد القريب، فإن الرعاية الاجتماعية القوية والرعاية الصحية ضرورية لجعل الأسر الصينية تشعر بالارتياح لإنفاق المزيد في الأمد البعيد، خاصة بعد انهيار قطاع العقارات، حيث يستثمر أغلب الصينيين مدخراتهم.

وفي مسعى منسق لدعم سوق العقارات المحاصرة، أصبحت مدينة قوانغتشو الجنوبية أول مدينة صينية من الدرجة الأولى ترفع جميع القيود المفروضة على شراء المنازل يوم الأحد، بينما خففت شنغهاي وشنتشن أيضاً القواعد الخاصة بمشتري المنازل.

ويقول ألفريد وو، الأستاذ المشارك في كلية لي كوان يو للسياسة العامة في الجامعة الوطنية في سنغافورة، إن «القادة الصينيين يريدون استعادة الثقة في الاقتصاد، لكن الصداع الأكثر إزعاجاً للحزب الشيوعي هو أنهم لا يملكون حلولاً فعالة للتباطؤ الاقتصادي».

(نيكتار غان، CNN)