بعد أربع سنوات بائسة، جلبت سوق الأوراق المالية خلال آخر أسبوعين قليلاً من السعادة والراحة لفرانسيس لون، الذي يدير شركة وساطة صغيرة تضم 10 أشخاص في هونغ كونغ.
منذ بداية عام 2020 شهد مؤشر هانغ سنغ تراجعاً مستمراً غير مسبوق بسبب المصاعب الاقتصادية والقيود المفروضة بسبب الوباء، سواء في المنطقة شبه المستقلة أو في باقي أراضي الصين، لكن المؤشر القياسي لبورصة هونغ كونغ تحول بشكل جذري في أواخر سبتمبر عندما أعلن قادة الصين عن مجموعة من التدابير لدعم اقتصاد البلاد المتعثر.
ارتفع المؤشر منذ ذلك الحين بأكثر من 18 في المئة خلال أسبوعين، وهو أمر غير مسبوق منذ ما يقرب من 20 عاماً.
يقول لون إن تدابير التحفيز كان ينبغي أن تُتخذ منذ فترة طويلة، ولكن أن تأتي متأخراً أفضل من ألّا تأتي أبداً.
وقال لشبكة سي إن إن «قبل إعلان إجراءات التحفيز كنا نعد أصابعنا من الملل نتيجة قلة الأعمال، لكن الآن تحسنت الأمور ونتلقى المكالمات الخاصة بالعمل كل يوم».
ولكن يبقى السؤال: هل فوائد تدابير التحفيز ستمتد إلى ما هو أبعد من مستثمري الأسهم إلى الاقتصاد الحقيقي؟ هل ستدعمه في الخروج من دوامة التباطؤ المُحتملة وتنقذه من خطر الفشل في تحقيق معدل النمو المستهدف البالغ 5 في المئة؟
هذا يعتمد على ما لم يُعلن بعد.
حتى الآن ركزت التدابير المعلنة على السياسة النقدية، خاصةً تكلفة الاقتراض والسيطرة على التضخم، وغداً تعلن بكين إجراءات أخرى، ربما تشمل تدابير مالية تخص الضرائب والإنفاق العام.
كتب خبراء الاقتصاد في شركة نيكو لإدارة الأصول، في مذكرة بحثية الأسبوع الماضي، «الحقيقة الواضحة التي يتم تجاهلها هي ضعف ثقة المستهلك، وعلى السلطات استخدام السياسات المالية لعلاج أزمة الثقة هذه، وبالتالي تحسين شهية المخاطرة وإنعاش الاقتصاد».
في الأسبوع الماضي قال راي داليو، مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم «بريدج ووتر أسوشيتس»، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، إن هذه قد تكون لحظة قيام السلطات الصينية بإنعاش الاقتصاد «مهما كلف الأمر».
وقد يأتي ذلك غداً الثلاثاء، عندما تعقد أعلى وكالة تخطيط اقتصادي في البلاد، اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، مؤتمراً صحفياً للإعلان عن حزمة من السياسات لتعزيز الاقتصاد.
لا حاجة للتكهنات.. الواقع واضح
هناك الكثير من النقاش بين خبراء الاقتصاد حول ما يجب على بكين أن تفعله بالضبط، ولكن هناك شيء واحد واضح: بعد التأخر لسنوات يبدو أن القيادة تتحرك بشكل حاسم.
هذا الاستنتاج يأتي بعد المؤتمر الصحفي المشترك «النادر» بين محافظ البنك المركزي الصيني «بنك الشعب»، بان قونغ شنغ، ووزير الإدارة الوطنية للتنظيم المالي، لي يونزي، ورئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، وو تشينغ، في 24 سبتمبر الماضي.
وأعلن محافظ بنك الشعب عن خفض أحد أسعار الفائدة الرئيسية، وخفض احتياطي النقد لدى البنوك، وتخفيض في أسعار الرهن العقاري، وخفض الحد الأدنى للدفعة الأولى للرهن العقاري من 25 في المئة إلى 15 في المئة للمشترين للمرة الثانية لدعم قطاع العقارات المُنهك، والذي يعتقد العديد من خبراء الاقتصاد أنه السبب الجذري للمشكلات الاقتصادية في الصين.
قال خبراء الاقتصاد في بنك الاستثمار HSBC بقيادة جينغ ليو، الأسبوع الماضي في مذكرة للمستثمرين، والتي وصفت المؤتمر الصحفي بأنه غير عادي «هذه المرة مختلفة، يبدو أن كل شيء يحدث في وقت واحد، لكنها لا تزال مجرد البداية».
يتوقع بنك الاستثمار أن تعلن بكين عن إنفاق مالي بقيمة تريليون يوان (142 مليار دولار) على المنتجات الاستهلاكية أو مشاريع البناء الكبيرة، والتي من شأنها تحفيز الاقتصاد بشكل مباشر.
وقد يتم تخصيص تريليون يوان أخرى لإعادة تمويل البنوك أو مساعدة الحكومات المحلية على إصدار السندات.
يرى HSBC أن هذه الجهود ستساعد في تجنب المخاطر المالية.
وفي نهاية الشهر الماضي ذكرت وكالة رويترز أن الصين تخطط لإصدار سندات سيادية بقيمة نحو تريليوني يوان (284 مليار دولار) في وقت لاحق من هذا العام كجزء من حزمة جديدة من تدابير التحفيز المالي.
وقالت الوكالة نقلاً عن مصادر لم تسمها إن الأموال التي سيتم جمعها من السندات الخاصة التي ستصدرها وزارة المالية سوف تُستخدم لزيادة الدعم لتشجيع الناس على شراء أجهزة منزلية ولتحديث معدات الإنتاج في المصانع، كما ستُستخدم بعض الأموال أيضاً لتمويل مخصص شهري بنحو 800 يوان (114 دولاراً) لكل طفل «ثانٍ» في الأسرة في إطار خطة تشجيع الإنجاب.
ويعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن القيادة الصينية تحت قيادة شي جين بينغ قادرة على تحمل المزيد في التعامل مع أموالها.
وقال جيا كانج، المدير السابق لمركز أبحاث تابع لوزارة المالية، لصحيفة «ذا بيبر» المملوكة للدولة الأسبوع الماضي إن «التوسع الأخير للسياسة النقدية كان ضرورياً، وإن السياسة المالية لا بد أن تواكب ذلك».
وقال إن بكين ينبغي لها أن تصدر ما يصل إلى 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) من السندات الحكومية طويلة الأجل، لتمويل الاستثمار في البنية الأساسية الضرورية والأشغال العامة التي لا تستطيع الشركات الخاصة تمويلها.
الجدير بالذكر أنه في عام 2008 طرحت البلاد حزمة مالية بقيمة 4 تريليونات يوان (570 مليار دولار) لتقليل تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الصيني.
وقال جيا كانج إن اقتصاد الصين توسع بما يكفي منذ ذلك الحين لينتقل من دعم بقيمة 4 تريليونات يوان إلى 10 تريليونات يوان.
وقال محللون في باركليز إن تقديم حزمة مالية بقيمة 10 تريليونات يوان ستضيف نقطة مئوية كاملة إلى النمو، وإن أي تدابير تحفيزية ستسهم في علاج مشكلة العرض المفرط في سوق العقارات.