من المرجح أن يخفّض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة يوم الخميس المقبل، بعد أن أوضحت البيانات أن اقتصاد منطقة اليورو في حالة أضعف مما كان عليه الوضع عندما اجتمع صُنّاع السياسات آخر مرة في سبتمبر أيلول الماضي، ما يعزز الرهانات على تخفيضات أسعار الفائدة بشكلٍ أسرع من (الوتيرة الفصلية) السابقة، حيث تم التخفيض بخمسة وعشرين نقطة في يونيو حزيران ثم تكرر التخفيض في سبتمبر أيلول.
وانخفض التضخم إلى 1.8 في المئة في منطقة اليورو في سبتمبر أيلول، وهي المرة الأولى التي يكون فيها أقل من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المئة منذ عام 2021، لذلك نما الشعور بأن أسعار المستهلك عادت تحت السيطرة.
وقال محافظ البنك المركزي الفرنسي وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، فرانسوا فيليروي دي جالو، الأسبوع الماضي، «النصر ضد التضخم في الأفق»، وأضاف لإذاعة فرانس إنفو انه “من المرجّح جداً خفض أسعار الفائدة، ولن يكون التخفيض الأخير.”
وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، الشهر الماضي، إن جهود البنك المركزي الأوروبي لترويض التضخم “تتقدم“، وأضافت في كلمتها أمام البرلمان الأوروبي أن المؤشرات الاقتصادية الأخيرة “تعزز ثقتنا في أن التضخم سيعود إلى الهدف في الوقت المناسب.”
سيجتمع صُنّاع السياسات في البنك المركزي الأوروبي في سلوفينيا يوم الخميس لتقرير ما إذا كانوا سيخفّضون أسعار الفائدة بوتيرة أسرع وأقوى.
يقع المقر الرئيسي للبنك المركزي في فرانكفورت ولكنه يعقد أحياناً اجتماعات السياسة النقدية في أجزاء أخرى من منطقة اليورو.
ويبلغ سعر الفائدة القياسي على الودائع الأوروبية حالياً 3.5 في المئة.
شبه إجماع على التخفيض
يراهن المتداولون بنسبة 90 في المئة على خفض 25 نقطة أساس في اجتماع الخميس المقبل، وهي زيادة ضخمة من 20 في المئة عندما اجتمع البنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي.
وقد طرح العديد من صناع السياسات بالفعل قضية خفض أسعار الفائدة في أكتوبر، حتى كريستين لاغارد، ألمحت إلى ذلك، قائلة إن الثقة في انخفاض التضخم ستنعكس على قرار البنك.
ويعتقد خبراء الاقتصاد في وول ستريت أن خفض أكتوبر سيكون مجرد بداية لسلسلة من قرارات متتالية لخفض أسعار الفائدة.
ويقيِّم المتداولون الأسهم وفق توقع أن يتم تخفيض أسعار الفائدة في ثلاثة اجتماعات من الاجتماعات الأربعة التي تلي أكتوبر تشرين الأول.
ويعتقد المتداولون أن التضخم لم يعد مصدر قلق للبنك المركزي الأوروبي، فبعد أن ارتفع بأكثر من 10 في المئة قبل عامين، وصل إلى ما دون هدف البنك المركزي الأوروبي، البالغ 2 في المئة، في سبتمبر أيلول.
حتى التضخم العنيد في قطاع الخدمات، وهو مصدر القلق الأهم للبنك المركزي الأوروبي، انخفض قليلاً، وتباطأ إلى أضعف مستوياته منذ نوفمبر 2023، وفقاً لبنك نومورا.
وتشير المشتقات المستخدمة للتحوط من مخاطر التضخم إلى أن نمو الأسعار ستستقر عند أقل من 2 في المئة بداية من الربع الأول من العام المقبل، وفقاً للبيانات التي جمعها بنك دانسكه، وهذا وقت مبكر جداً مقارنة بتوقعات البنك المركزي الأوروبي، الذي كان يرى أن هذا التباطؤ في نمو الأسعار سيبدأ في سبتمبر 2025.
حتى إن عضوة البنك المركزي الأوروبي المشهورة بميلها لسياسات التشديد النقدي، إيزابيل شنابل، تخلت عن تحذيراتها القديمة بشأن صعوبة ترويض نمو الأسعار.
مواجهة الركود
على الجانب الآخر أظهرت توقعات البنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي تباطؤ نمو منطقة اليورو إلى 0.2 في المئة في الربع الثالث، كما أدّى ضعف الروح المعنوية بين الشركات إلى زيادة غموض التوقعات.
وتكافح ألمانيا، أكبر اقتصاد في الكتلة الأوروبية، من أجل الانطلاق، حيث قالت برلين الأسبوع الماضي إنها تتوقع انكماش الاقتصاد بنسبة 0.2 في المئة عام 2024، وهو العام الثاني على التوالي من الركود.
قال كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في دويتشه بنك، مارك وول، “إذا لم يخفّض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في أكتوبر، فسوف يعتقد السوق أن البنك المركزي متأخر عن واقع البيانات، ويرتكب خطأ في السياسة النقدية.”
وأصبح النمو هو الشاغل الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي الآن، على عكس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يركّز على استهداف التضخم فقط، لذا فإن السؤال هو ما إذا كان الركود سيعود إلى الواجهة كتحدٍ رئيسي للبنك المركزي الأوروبي، كما كان في العقد الذي سبق الوباء.
حتى الآن يراهن البنك المركزي الأوروبي على ارتفاع الدخول الحقيقية لتعزيز الاستهلاك والنمو إلى 1.3 في المئة العام المقبل من 0.8 في المئة هذا العام، وهو افتراض يخشى بعض خبراء الاقتصاد أنه متفائل للغاية.
وتحولت المخاطر الجيوسياسية أيضاً إلى مصدر قلق للبنك المركزي الأوروبي، ولكن من منظور النمو، حسب تقدير خبراء الاقتصاد.
وارتفعت أسعار النفط بأكثر من 9 في المئة منذ بداية أكتوبر، مع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، لكنها تظل أقل من ذروة هذا العام بنحو 10 دولارات.
وقال بول هولينجسوورث، كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في بي إن بي باريبا، إن انخفاض التضخم يعني أن البنك المركزي الأوروبي يمكنه تحمل أي ارتفاعات مؤقتة مدفوعة بالطاقة، «لقد تحول البنك المركزي الأوروبي إلى التركيز بشكلٍ أكبر على المخاطر التي تواجه النمو ومنها (المخاطر الجيوسياسية)»
وهناك أمر (جيوسياسي) حاسم آخر، وهو أن يوم الخميس هو آخر اجتماع للبنك المركزي الأوروبي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر تشرين الثاني.
وقال خبراء الاقتصاد إنه إذا فاز الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب ونفذ تعهده بفرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة على الواردات، فإن ذلك من شأنه أن يؤثر في نمو منطقة اليورو، ويعزز الحاجة لخفض أسعار الفائدة بشكل أعمق لدعم النمو الاستثماري.