عندما رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على أغلب السلع التي تدخل البلاد منذ ما يقرب من قرن من الزمان، كانت العواقب وخيمة، فقد انهارت التجارة العالمية وفي قلبها الصادرات الأميركية، في حين ردت دول أخرى بالمثل، الأمر الذي أدّى إلى تعميق واحدة من أسوأ فترات الركود الاقتصادي في العالم على الإطلاق (الكساد العظيم).

الرسوم الجمركية المذكورة، التي فُرضت بموجب قانون تعريفة سموت- هاولي لعام 1930، ضئيلة مقارنة بالرسوم الجمركية التي تعهد دونالد ترامب بفرضها إذا فاز بولاية ثانية في البيت الأبيض.

إلى جانب أفكار جذرية أخرى، بما في ذلك الترحيل الجماعي للمهاجرين غير المسجلين والتدخل في استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي، قال ترامب إنه يريد فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10 في المئة و20 في المئة على جميع السلع الواردة من الخارج إلى الولايات المتحدة، وسوف يزيد هذا بشكل حاد عن المتوسط ​​الحالي البالغ 2 في المئة على السلع الصناعية، والتي يدخل نصفها الولايات المتحدة معفى من الرسوم الجمركية، وفقاً للحكومة.

وبالنسبة للواردات الصينية، اقترح ترامب تعريفة جمركية أعلى بنسبة 60 في المئة.

وقال خلال مقابلة مع بلومبيرغ الأسبوع الماضي في النادي الاقتصادي في شيكاغو «بالنسبة لي، أجمل كلمة في القاموس هي التعريفة الجمركية.. إنها كلمتي المفضلة».

لا يشارك معظم خبراء الاقتصاد ترامب شغفه بالتعريفات الجمركية لأنها تعمل كضريبة على الواردات، ما يضر بالمستهلكين في الدولة التي تفرضها، وكذلك الشركات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة والسلع الوسيطة لصنع المنتجات النهائية.

وحذّر العديد من خبراء الاقتصاد من أن التعريفات الجمركية التي يخطط لها ترامب ستضر بالنمو الاقتصادي العالمي وتدفع التضخم إلى الارتفاع في الولايات المتحدة، وكذلك في الخارج إذا فرضت دول أخرى رسوماً أعلى على الواردات الأميركية رداً على ذلك.

كتب باحثون من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، ومقره واشنطن العاصمة، في مذكرة حديثة، أن المضي قدماً في تطبيق التعريفات الجمركية الأعلى «من شأنه أن يُثير غضب حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، ويثير حروباً تجارية عالمية، ويضر بالرفاهة الاقتصادية العالمية ويقوض الأمن القومي».

في حين تختلف التوقعات بشأن الضرر الناجم عن التعريفات الجمركية الجديدة التي سيفرضها ترامب من حيث القيمة والنطاق، اعتماداً على مستوى الرسوم وأي تعريفات انتقامية من شركاء أميركا التجاريين، فإن الخبراء متشائمون بشكل ساحق.

على سبيل المثال، يُقدّر المحللون في يو بي إس أن التعريفات الجمركية بنسبة 60 في المئة على الواردات من الصين، و10 في المئة على السلع من بقية العالم، من شأنها أن تخفّض النمو الاقتصادي العالمي بنسبة مئوية واحدة في عام 2026، عندما يكون من المرجح أن يتم تنفيذ زيادات التعريفات بالكامل.

وهذا من شأنه أن يخفّض النمو بنحو الثلث، بناءً على الاتجاهات الحالية.

ستنخفض أرباح الشركات في المتوسط ​​بنسبة 6 في المئة وستنخفض مؤشرات الأسهم العالمية أيضاً، مع انخفاضات حادة بشكل خاص في الأسهم الأوروبية والصينية وغيرها من الأسواق الناشئة، وفقاً لـ«يو بي إس»، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تآكل الأوعية الاستثمارية لمعاشات التقاعد وغيرها من المدخرات.

ويرى صندوق النقد الدولي أيضاً أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيتلقى ضربة موجعة من زيادة التعريفات الجمركية في جميع أنحاء العالم، وفقاً لأحدث توقعاته الاقتصادية العالمية.

سيعاني اقتصاد أوروبا من ضربة ضخمة إذا رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية إلى 10 في المئة على جميع السلع، وسيكون الضرر الذي سيلحق بالناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو مماثلاً للضرر الناجم عن أزمة الطاقة التي أشعلتها الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، وفقاً لبنك أيه بي إن أمرو.

وقد تجنب الاقتصاد الأوروبي بصعوبة الركود في أعقاب الحرب العسكرية، ولكن البنك الهولندي، أيه بي إن أمرو يتوقع أن تقع أوروبا في حالة الركود في عام 2026 نتيجة للحرب التجارية التي سيفرضها ترامب.

وقال موريس أوبستفيلد، زميل بارز في معهد بيترسون وكبير خبراء الاقتصاد السابق في صندوق النقد الدولي، «إذا افترضنا أن ترامب سيمضي قدماً في ما يقترحه، فلن يخرج أحد سالماً».

لا سلام عالمياً دون تجارة

في شيكاغو الأسبوع الماضي، تفاخر ترامب، الذي يصف نفسه بأنه قطب أعمال عنيد، بالتشدد مع الحلفاء، بما في ذلك اليابان وفرنسا وكوريا الجنوبية، من خلال زيادة الرسوم الجمركية على بضائعهم.

وإذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض فإن نهجه القائم على مبدأ «الفائز يأخذ كل شيء» في التعامل مع العلاقات التجارية من شأنه أن يقوّض بشكل أكبر مبادئ التجارة المفتوحة والمنافسة التي كانت المحرك للنمو الاقتصادي العالمي لعقود من الزمان.

وقال أوبستفيلد، لشبكة سي إن إن، إن نهج ترامب من شأنه أن يؤدي إلى «نظام تجاري عالمي عبارة عن خليط من الصفقات الثنائية، وهذا يصعب تخمين نتائجه، وإن كان من المرجح أننا سنشهد تجارة أقل، وسوف تنخفض المكاسب من التجارة وأن العلاقات التجارية بين البلدان ستصبح أكثر انقساماً مما كانت عليه في الماضي».

يرى بيتروس مافروديس، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا ومستشار قانوني لمنظمة التجارة العالمية منذ فترة طويلة، نتيجة أكثر قتامة «أعتقد أنه من غير الواقعي، إذا نظرنا إلى التاريخ العالمي، أن نعتقد أنه يمكننا أن نشهد سياسات حمائية وحدوداً مغلقة وتجارة ضعيفة، وأن يستمر في الوقت نفسه السلام العالمي»، وأضاف لشبكة سي إن إن «يجب أن يكون العالم متصلاً اقتصادياً وغير اقتصادي، إذا لم يكن متصلاً فأنت تدفع الثمن».

ردود انتقامية

من المرجح أن تفرض دول أخرى ليس فقط تعريفات جمركية انتقامية على الواردات الأميركية، بل ستفرض أيضاً تعريفات جمركية على الواردات من أماكن أخرى لحماية أسواقها من تدفق السلع التي كانت لتذهب إلى الولايات المتحدة لولا ذلك.

عندما أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم في مارس آذار 2018، تبعه الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على بعض منتجات الصلب بعد أربعة أشهر، تخوفاً من خطر ارتفاع الواردات، كما رد الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر على حليفه عبر الأطلسي بفرض رسوم جمركية على سلع أميركية تزيد قيمتها على 3 مليارات دولار، بما في ذلك الدراجات النارية والنسيج والويسكي.

وفي الآونة الأخيرة رفع الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية من الصين، وهي الخطوة التي يقول المحللون إنها تهدف جزئياً إلى منع سيل من واردات المركبات الكهربائية بعد أن فرض الرئيس الأميركي جو بايدن رسوماً جمركية بنسبة 100 في المئة على المركبات الكهربائية الصينية.

وقال أندريه سابير، الزميل في بروغل، وهي مؤسسة بحثية في بروكسل «يمكنك الدخول في دوامة من التدابير التجارية، التي بدأتها الولايات المتحدة ثم تضخمها دول أخرى».

ترامب «أكثر تطرفاً»

إلى جانب الرسوم الجمركية، يشعر خبراء الاقتصاد أيضاً بالانزعاج من رغبة ترامب في ممارسة المزيد من السيطرة على بنك الاحتياطي الفيدرالي.

في حين تجنب الإجابة عن سؤال مباشر من بلومبيرغ حول ما إذا كان سيقيل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الذي تنتهي ولايته في مايو 2026، فقد هدد بذلك مرة من قبل لأن باول كان «يحافظ على أسعار الفائدة مرتفعة للغاية».

وقال ترامب في شيكاغو «لا أعتقد أنه يجب السماح لي بإصدار الأمر بذلك، لكنني أعتقد أن لدي الحق في التعليق على ما إذا كانت أسعار الفائدة يجب أن ترتفع أو تنخفض».

إن أي محاولة لإضعاف استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يعتبره المستثمرون مقدساً، من شأنها أن تهز الأسواق المالية العالمية ويكون لها تأثير مزعزع لاستقرار الدولار، العملة الرئيسية في التجارة العالمية واحتياطيات النقد الأجنبي.

وذلك لأن المستثمرين سوف يشككون في ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي (المُخترق) قادراً على مكافحة التضخم المرتفع وضمان استقرار العملة.

وقال أوبستفيلد «إذا تعرض بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى نوع من السيطرة السياسية، فإن هذا سيغيّر قواعد التمويل العالمي حقاً»، مضيفاً أنه «لا يوجد بديل جيد» للدولار وبالتالي فإن العبث به «خطة سيئة».

يعتقد إدوارد ألدين، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية ومقره واشنطن العاصمة، وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية، أنه من غير المرجح أن يتدخل ترامب في استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي، نظراً للمخاطر التي يفرضها مثل هذا التحرك على الاقتصاد الأميركي.

ومع ذلك من المرجح أن تكون أفعاله خلال فترة رئاسية ثانية أكثر تطرفاً مما كانت عليه خلال فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض، عندما «كانت هناك مجموعة نشطة من الجمهوريين التقليديين تعمل بجد لمنع ترامب من القيام بأشياء مجنونة»، كما قال لشبكة سي إن إن، مضيفاً «لن يحصل أي من هؤلاء الأشخاص على وظيفة في الإدارة الثانية»، خاصة أن ترامب لن يهتم بإعادة انتخابه، حيث لا يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يخدم سوى فترتين.

وأضاف ألدين أن ترامب «سيكون أكثر حرية في التعامل مع البيروقراطية وسيصبح أكثر قدرة على التعامل معها لتحقيق أهدافه، وما سنراه في ترامب الثاني سيكون أكثر تطرفاً مما رأيناه في ترامب الأول».