يواجه لبنان، الذي يعاني من آثار الحرب، صعوبة في الحصول على المساعدات الإنسانية، ورغم كون هذه المساعدات خلاص الشعب الوحيد للحياة، كشف التعقيد في تعهدات المساعدات والمساءلة الحكومية عن تصدعات في كل من الدعم العالمي والمساءلة المحلية
.
ورغم التضامن الدولي الذي أظهره مؤتمر باريس الأخير في أكتوبر الماضي، الذي تجسد في تعهدات ووعود وصلت قيمتها إلى مليار دولار لدعم الأزمة الإنسانية في لبنان، تم تأمين 21 في المئة فقط من هذه التعهدات حتى الآن، وفق آخر تحديثات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في لبنان OCHA.
ويُبرز هذا الرقم بوضوح الفجوة بين الخطاب والواقع، ما يترك لبنان في حالة من الضعف ويضع الحكومة اللبنانية أمام مأزق واضح؛ توقعات مرتفعة ونتائج ضئيلة.
وكشفت وحدة الرصد الخاصة لمنظمة الشفافية الدولية-لا فساد في لبنان، من خلال تتبع 53 تعهداً بتقديم المساعدات من مصادر مفتوحة عبر الإنترنت حتى أواخر سبتمبر الجاري، أن «الكثير من التفاصيل ما زالت غير معلنة»، داعية الجهات الحكومية اللبنانية والمحلية والدولية إلى التعاون من أجل تحقيق الشفافية والمساءلة.
وقال جوليان كورسون المدير التنفيذي لجمعية الشفافية الدولية لبنان-لا فساد، لـ«CNN الاقتصادية، إن هناك حاجة ملحة لالتزام سياسي بوضع الشفافية وفقاً للمعايير الدولية -مثل مبادرة الشفافية الدولية للمساعدات (IATI)- كأولوية، «هذا الالتزام لا يساعد فقط في استعادة ثقة الجمهور، بل يمكّن الحكومة اللبنانية -بصفتها الجهة المسؤولة- من تأمين المساعدات الأساسية، إذا تم إعطاء الأولوية لهذا النوع من الشفافية على المستوى السياسي، فمن المرجح أن يستمر المانحون الدوليون، بما في ذلك الأمم المتحدة، في دعم هذا القرار السياسي».
وأضاف «هناك معايير شفافية دولية للمساعدات الإنسانية يجب اعتمادها، تبدأ بإنشاء منصة موحدة تتيح وصول البيانات بشفافية وبصورة فورية في المراحل كافة، بهدف تعزيز الحوكمة الرشيدة في عملية توزيع المساعدات وضمان وصولها إلى المستفيدين، ولدى وحدة الأزمات الطارئة الحالية أدوات تكنولوجية يمكن تعديلها للتوافق مع معايير IATI، ويمكن توسيعها لتصبح منصة عامة مركزية متاحة وسهلة الاستخدام، ويفيد نشر البيانات المجمعة في الوقت الفعلي من قبل الدولة اللبنانية والدول المانحة جميع أصحاب المصلحة، سواء المحليون أو الدوليون».
ضغوطات والتعاون مطلوب
عبرت عدة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي للمنظمات الإنسانية عن تزايد الاحتياجات وضرورة إيصال المساعدات، وسلط مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في لبنان الضوء على «تزايد الاحتياجات الإنسانية»، معبراً عن أن المساعدات الموعودة يجب أن تصل إلى الأشد حاجة دون تأخير، وبالمثل شددت أوكسفام على الحاجة إلى الالتزام بمبادئ فعالية المساعدات، بينما أبرزت كاريتاس لبنان الظروف القاسية التي يواجهها عمال الإغاثة في الميدان.
وعلمت CNN الاقتصادية، من مصادر تحفظت على الكشف عن هويتها، أن موجة من الضغوطات تتعرض لها الحكومة اللبنانية سواء في الانتقادات أو نشر المعلومات الخاطئة بهدف نشر تصور بأن الحكومة غير مبالية بالأزمة، بدلاً من تسليط الضوء على تعقيدات إدارة المساعدات في بيئة تملؤها الصراعات.
وكشفت مايا نعمة مستشارة المنظمات غير الحكومية وتنسيق المساعدات في لجنة الطوارئ بإدارة مجلس الوزراء التي يترأسها وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، ناصر ياسين، لـCNN الاقتصادية «أن اللجنة تعاني من نقص في الموارد المالية والبشرية، وأن جزءاً كبيراً من العمل يتم عبر متطوعين».
وأضافت مايا أنه بجانب هذه التحديات تعاني اللجنة من تحديات خاصة في النقل، حيث يرسل المحافظون أو الصليب الأحمر الشاحنات الخاصة بهم كون لا مرجعية واضحة بعد للنقل، ويتم حالياً التعاون مع بعض وكالات الأمم المتحدة لتذليل هذه التحديات التي تواجه الأمن والسلامة في ظل تعرض بعض المناطق اللبنانية للعدوان.
ويقوم برنامج الاستجابة على 3 مسارات أساسية؛ المسار الأول يتم بالتنسيق الكامل مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية OCHA الذي يركز على رصد وتأمين الحاجات الأساسية لمراكز الإيواء (1138 مركزاً)، حيث تتم مساعداتها بالوجبات الغذائية والنظافة، والبرنامج الثاني هو المساعدات العينية المتأتية من الدول الصديقة للبنان، ويتم إرسالها عبر لجنة الطوارئ ومنها توزع على المحافظين في لبنان، والمسار الثالث يتم عبر الإدارات الرسمية كهيئة الإغاثة ومجلس الجنوب ووزارة الشؤون ووزارة الصحة.
وأكدت نعمة أن العمل جارٍ على بناء الثقة بالحكومة، وهو مسار طويل كون الشعب اللبناني فقد الثقة بحكومته، وذلك من خلال استكمال وتكثيف التوعية والتواصل والتنسيق بين الإدارات والمنظمات لبناء هذه الثقة عبر مراحل.
وكان ياسين قد كشف، في مؤتمر صحفي عُقد مؤخراً، أن العمل جارٍ على تجميع البيانات والتوزيعات للمساعدات من الجهات المعنية كافة لنشرها عبر منصة موحدة تتعقب المساعدات، كاشفاً عن تعميم ستصدره رئاسة الوزراء قريباً، إلى جانب توسعة لجنة الطوارئ لتضم وزراء جدداً لرفع كفاءة التنسيق وتطبيق أنظمة تتبع في الوقت الفعلي للمساعدات الإنسانية.
التزام بالشفافية وسط التعقيد
وكشف رصد جمعية الشفافية الدولية لبنان عن عدم نشر تفاصيل واضحة عن المساعدات العينية لجهة مستلميها وكمياتها والغياب شبه التام لأية معلومات حول آليات التوزيع، وأفاد بأن «92 في المئة من الجهات المانحة هي حكومات دول خارجية قدمت مساهمات مالية أو عينية، 82 في المئة من هذه المساعدات لا تزال غير محددة، فيما وصلت نسبة المساعدات الغذائية إلى 17 في المئة والطبية إلى 1 في المئة».
أما عن الجهات التي تستلم المساعدات فأفاد الرصد بأن 39.9 في المئة من الجهات التي تستلم المساعدات العينية غير معروف اسمها، فيما 22.8 في المئة تستلمها منظمات غير الحكومية و43.3 في المئة تستلمها الوكالات الحكومية اللبنانية.
وفي ما يتعلق بهبات مؤتمر باريس التي بلغت مليار دولار، كشف الرصد -الذي يتتبع البلد المانح، ونوع المساعدات وقيمتها ووصفها وقطاعها ومستلمها إلى جانب تكلفة الإدارة- عن «عدم إمكانية تحديد نوع المساعدات المرصودة للبنان (مالية أم عينية)، وفيما لو كانت هذه المبالغ الحالية هي نفسها المبالغ التي تعهدت بها الدول قبل المؤتمر».
ورأت نعمة أن هذا النوع من التمويلات -التي أعلن ياسين أنها ستفعّل عبر اجتماعات تعقد الأسبوع المقبل- تتطلب آليات عمل معينة تعتمدها الدول وتتطلب وقتاً قبل تنفيذها.
وأوصت منظمة الشفافية الدولية في لبنان بضرورة إيجاد إشراف قوي على توزيع المساعدات من خلال نهج متعدد الأطراف يضمن تسليم المساعدات بكفاءة وفعالية.
واقترح كورسون، بهدف تعزيز المساءلة نهجاً متعدد الجوانب، بما في ذلك عقد مؤتمر صحفي يومي لإبقاء الجمهور على اطلاع بجهود الحكومة الشاملة للمساعدات الإنسانية والاختيار السريع لمدقق طرف ثالث وإنشاء لوحة معلومات عامة لتحديثات مستمرة، وتتطلب هذه الحلول أيضاً تحركاً حكومياً مشتركاً لم تتبلور معالمه بالكامل حتى الآن.