في مشهد يعيد إلى الأذهان سنوات من التوتر بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، يعود ترامب إلى البيت الأبيض بصفته الرئيس المنتخب، ما يثير تكهنات حول مستقبل العلاقة المضطربة بين الطرفين، ومع تواتر الأسئلة حول احتمالات التدخل الرئاسي في قرارات الاحتياطي الفيدرالي، أكد باول بلهجة صارمة عدم استعداده للتراجع، موجهاً رسالة قوية لترامب: «تحدّني إن استطعت!».
تخيل أنك تعمل في وظيفة تحبها، لكنك لا تنسجم مع مديرك، ورغم ذلك، تتمسك بالعمل لأنها وظيفتك المثالية، ثم -في يوم من الأيام- يترك المدير عمله وتبدأ الأمور في التحسن تدريجياً، لكن بعد فترة، تصلك أخبار بعودته مرة أخرى، هذا بالضبط ما يعيشه رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
بعد مرور 48 ساعة فقط على إعلان فوز ترامب بالرئاسة، بدأت التوترات بالظهور علناً خلال المؤتمر الصحفي لباول بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، حيث لمّح باول بعدم رضاه عن تدخلات ترامب السابقة.
عندما سأله أحد الصحفيين إذا كان سيستقيل في حال طلب منه ترامب ذلك، أجاب باول بشكل حازم: «لا»، دون أن يقدم أي تفاصيل إضافية، ثم جاء سؤال آخر عمَّا إذا كان بإمكان الرئيس إقالته أو تخفيض درجته الوظيفية، فكان رد باول قاطعاً: «غير مسموح بذلك بموجب القانون»، مردداً العبارة ببطء ليؤكد على المعنى.
يبدو أن باول يتوقع هجمات شخصية وتهديدات متكررة إذا كانت ولاية ترامب الثانية مماثلة للأولى، إلا أنه أوضح أنه لن يستسلم لأي منها.
ورسالته لترامب كانت واضحة: «تحدّني إن استطعت!».
ورغم أن ترامب عيّن باول في منصبه الحالي كرئيس للبنك المركزي عام 2018، فإن باول لا يتبع له مباشرة، ولا للرئيس جو بايدن الذي جدد له ولاية ثانية تنتهي في مايو 2026.
إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي ليست أمراً سهلاً
في حال قرر ترامب، أو أي رئيس آخر، محاولة إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، سيواجه صعوبة كبيرة؛ فهذا المنصب لا يمكن شغله أو إخلاؤه بسهولة، حيث ينص القانون على إمكانية إقالة رئيس الاحتياطي «لسبب وجيه» فقط، ولم يتم تحديد تعريف دقيق لهذا السبب، ولكن من المرجح أن يتطلب ذلك أكثر من مجرد خلافات سياسية مع الرئيس.
وفي النهاية، قد يكون القرار بيد المحكمة العليا لتحديد ما إذا كانت هناك أسباب كافية لإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ولكن حتى تنتهي تلك المعركة القانونية الطويلة، من المحتمل أن يستمر باول في منصبه حتى انتهاء ولايته.
على الرغم من القيود القانونية، هدد ترامب بإقالة باول عدة مرات خلال فترة رئاسته الأولى، وفي مارس 2020، بعد تراجع الأسواق مع بدء جائحة كورونا، صرَّح ترامب للصحفيين بأنه «يملك الحق في عزل (باول)»، مضيفاً أن الأخير قد اتخذ «قرارات سيئة»، وفقاً لرأيه.
ورغم أن ترامب يبدو الآن مستعداً للسماح لباول بإكمال ولايته، فإنه قد يكون جاهزاً لجولة جديدة من المواجهة، حيث أكد في تصريحاته الأخيرة على ضرورة أن يكون للرئيس دور في قرارات الفائدة.
قال ترامب في مؤتمر صحفي في أغسطس «أشعر أن الرئيس يجب أن يكون له رأي في ذلك، أعتقد أن لدي حساً أفضل من كثير من الأشخاص الموجودين في الاحتياطي الفيدرالي».
تصريحاته هذه قُوبلت بانتقادات لاذعة، بما في ذلك من مجلس تحرير بلومبيرغ، ليحاول لاحقاً تخفيف حدة موقفه، وأضاف في مقابلة مع بلومبيرغ «لست مسؤولاً عن اتخاذ القرارات، لكن يحق لي أن أعبر عن رأيي كأي شخص آخر».