بعد أعوام من الصراعات الداخلية، تلعب عملية إعادة الإعمار دوراً مهماً ليس فقط في تحسين حياة المواطنين، ولكن في جلب الاستقرار للدولة، ورغم خصوصية تجربة كل دولة، ومنها التجربة السورية، فإن هناك خطوطاً عريضة يجب اتباعها لمنع ضياع جهود إعادة الإعمار دون جدوى.
وفق الدراسات التي أجراها العالمان مايكل دويل ونيكولاس سامبانيس، من جامعة برينستون الأميركية، فإن جهود إعادة الإعمار عادةً ما تفشل في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذا لا بد من التخطيط الجيد لها وإجراء إصلاحات عميقة وسريعة في مواجهة التحديات الرئيسية وهي: شمول التنمية، وإعادة الموارد البشرية والمالية لأصحابها الأصليين في فترة ما قبل الصراع، والتعامل الكفؤ مع مجتمع المانحين، وتطوير البنية التحتية، وضخ فعّال للمساعدات الاجتماعية، والتعامل مع العجز المالي الكبير، والحد من التضخم.
ويخلص العالمان إلى أن شعور السكان بتحسن في مستويات معيشتهم هو الدعم الأساسي لجهود إعادة الإعمار، لذلك فإن خلق فرص العمل، خاصةً للشباب، لا بد أن يكون في صميم أجندة إعادة الإعمار.
وللأسف تمثل بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنها سوريا، استثناءً من الرابط الاقتصادي المنطقي بين التعافي الاقتصادي وخلق فرص العمل، وهو رابط متحقق في كل مناطق العالم الأخرى.
وبلغ معدل البطالة في سوريا 22.7 في المئة بنهاية عام 2022، وفق البيانات الرسمية، وهو معدل شديد الارتفاع ويجعل سوريا تنافس على قمة ترتيب دول العالم من حيث معدل البطالة.
وتقترح دراسة (الأجندة الاقتصادية لإعادة الإعمار بعد الصراع)، التي أطلقها منتدى البحوث الاقتصادية في عام 2020، حلولاً اقتصادية ضرورية لجلب الاستقرار إلى دول المنطقة، ومن أهم هذه الحلول تخلي الحكومات عن استخدام التوظيف العام كآلية رئيسية للتوظيف، بل السماح للقطاع الخاص بأن يصبح المصدر الرئيسي لدخل الأسر.
ومن أهم طرق دعم عملية إعادة الإعمار هي العمل على إعادة حقوق الملكية إلى أصحابها، وتوسيع عدد الملاك، حتى يتم توزيع عوائد عملية إعادة الإعمار على أكبر عدد ممكن من السكان.
هذا بالإضافة إلى أن الاعتماد الموسع على القطاع الخاص يزيد من تنافسية الاقتصاد ومقاومة قوى الاحتكار الحكومية أو الخاصة.
أربعة مجالات
وفق منتدى البحوث الاقتصادية، فإن هناك أربعة مجالات للإدارة الاقتصادية الكلية تعتبر حاسمة لنجاح إعادة الإعمار وهي: السيطرة على التضخم وسياسة سعر الصرف، والسياسات المالية، والبنية التحتية الأساسية، والاستثمار الأجنبي المباشر.
أولاً لا بد أن تصبح السيطرة على التضخم المهمة الرئيسية للبنك المركزي السوري، وأن يكون توفير السلع العامة أولوية للسلطتين النقدية والمالية.
وفي ما يخص السياسة المالية، لا بد من تحقيق مستويات مستدامة من العجز والديون الحكومية بغرض المساهمة في استقرار الاقتصاد الكلي، لأن الحد من التقلبات أهم لدى المواطنين من الإنعاش الوقتي غير المستدام.
والاستقرار ضروري أيضاً في ما يخص السياسة النقدية، فتوفير عملة مستقرة يضفي مصداقية على عملية إعادة الإعمار، ومن الممكن أن توفر العملة الوطنية في حد ذاتها «رمزاً للوحدة والهوية الوطنية»، وفقاً للدراسة.
كان الدولار الأميركي يساوي 46.98 ليرة سورية في بداية عام 2011، أما الآن فيتجاوز سعر الدولار حاجز الـ13 ألف ليرة.
أما إعادة بناء البنية التحتية فلا بد أن يعتمد في المقام الأول على الموارد الأجنبية، سواء عبر الدعم من الدول الصديقة، أو الاستثمار المباشر الأجنبي، ويكون دور الدولة مقتصراً على حماية هذه الاستثمارات من المخاطر والعمل على توزيعها بشكلٍ عادل.
إن هذه الخطوات من شأنها مواءمة توقعات السكان في ما يتصل بالدور الاقتصادي للحكومة في المرحلة الانتقالية، وبتلبية هذه التوقعات فهناك فرصة للنجاح في إعادة بناء استقرار مستدام.