في غابات المانغروف الكثيفة بخليج «باهيا مالاغا» على الساحل الهادئ لكولومبيا، تواصل مجموعة من النساء –يُعرفن باسم «بيانغيراس»– تقليداً عمره قرون يتمثل في جمع الـ«بيانغوا»، وهو نوع صغير من الرخويات يشكّل عنصراً رئيسياً في المطبخ والاقتصاد المحلي.
لعقود طويلة، اعتمدت هؤلاء النساء، ومعظمهن من الأمهات العازبات، على جمع البيانغوا بطريقة مستدامة كمصدر للرزق وحفاظاً على تراثهن الثقافي. واليوم، بتن يعملن تحت مظلة «جمعية نساء البيانغيرا وصيادات الأسماك والمزارعات الحرفيات في بوينافينتورا» (Apojapa)، ليحظين بتقدير متزايد لدورهن البيئي والاقتصادي الحيوي في المجتمع.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
تقول أورفيليا رينتيريا جامبوا، العضوة في الجمعية، إنها تعلمت هذا العمل من جدتها حين كانت تبلغ من العمر سبع سنوات فقط، والآن -كأم لخمسة أطفال- تتحدث عن تحديات المهنة واعتزازها بها:
«رغم أنني درست وتعلمت كثيراً –في مجال الأزياء والملابس الداخلية والكورسيهات– فإنني لم أجد عملًا بتلك المجالات، فعدت إلى ما أعرفه وأجيده: جمع البيانغوا».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وتؤكد رينتيريا أن هذا العمل تقليدي ومتجذّر، بل ويشكّل طبقاً محلياً مميزاً، ما يدفعهن إلى اعتماد ممارسات صديقة للبيئة عبر تجنّب جمع الأحجام الصغيرة من الرخويات، وذلك لضمان استمرار النوع وعدم انقراضه.
بعد سنوات من العمل الفردي، قررت النساء في عام 2023 تأسيس جمعيتهن الخاصة، واليوم تضم الجمعية 32 امرأة ورجلاً واحداً، جميعهم يسعون للحصول على دعم أفضل وفرص وصول أكبر للأسواق.
وتقول رينتيريا: «كنا نطرق أبواباً كثيرة بحثاً عن عمل، لكن دون جدوى، لذلك قررنا أن نعود إلى جمع البيانغوا، ولكن هذه المرة موحّدات، سابقاً لم يكن أحد يصغي لنا ونحن منفردات، لكننا حين اجتمعنا، أصبح صوتنا مسموعاً».
وقد تلقت الجمعية مؤخراً دعماً من «المركز الدولي للعدالة الانتقالية» والاتحاد الأوروبي، حيث حصلت على ثماني زوارق و30 حقيبة أدوات لجمع الرخويات و5 مجموعات تجهيز، ما أسهم في تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف. لكنهن ما زلن بحاجة إلى محركات للقوارب حتى يكتمل عملهن بفعالية أكبر.
وتوضح رينتيريا أن العمل الجماعي ليس فقط وسيلة لكسب العيش، بل أيضاً لتقوية الروابط الاجتماعية: «نحن دائماً مبتهجات في القارب، نروي النكات ونتشارك الضحك، نحب الذهاب إلى البحر لأنه يمنحنا الحرية، ولا تلوث فيه».
يحرص أعضاء الجمعية أيضاً على تعليم الأجيال الجديدة، حيث تصطحب بعض الأمهات أبناءهن ليشاهدوا كيف يُستخرج البيانغوا من بين جذور المانغروف الطينية، ولينقلوا هذا الإرث مستقبلاً.
إن عمل نساء البيانغيرا يمثّل توازناً دقيقاً بين البقاء الاقتصادي والحفاظ البيئي، في منطقة غالباً ما تتجاهلها السياسات الحكومية، وفي ظل التهديدات التي تواجه النظم البيئية الساحلية بسبب تغيّر المناخ والصيد الجائر، تقدّم هؤلاء النساء نموذجاً ملهماً لإدارة الموارد الطبيعية بأسلوب تقليدي ومستدام.