تغيّر المناخ يُلهب آسيا.. والاقتصاد يدفع الثمن

حرائق وجفاف وفيضانات.. مناخ آسيا يهدد النمو والاستقرار (شترستوك)
تغير المناخ يُلهب آسيا.. والاقتصاد يدفع الثمن
حرائق وجفاف وفيضانات.. مناخ آسيا يهدد النمو والاستقرار (شترستوك)

تشير أحدث تقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن قارة آسيا تُعدّ اليوم المسرح الأكثر تأثراً بتغيّر المناخ، إذ ترتفع درجات الحرارة فيها بمعدل يقترب من ضعف المتوسط العالمي، ما يؤدي إلى موجات حر شديدة وذوبان أنهار جليدية وفيضانات وجفاف يضربان الاقتصاد والحياة معاً.

وأوضح تقرير المنظمة الصادر في 23 يونيو حزيران 2025، أن معظم الأنهار الجليدية في آسيا خاصة في جبال الهيمالايا وتيان شان أظهرت خسائر في الكتلة، وهو ما يزيد مخاطر الفيضانات والانهيارات الأرضية، ويهدد الأمن المائي طويل الأمد لمليارات الأشخاص يعتمدون على هذه الجبال كمصدر للمياه العذبة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

وفي عام 2024، سجّلت القارة واحدة من أشد السنوات حرارة على الإطلاق، وبلغ متوسط الحرارة 1.04 درجة مئوية فوق المتوسط المسجل خلال الفترة من 1991 إلى 2020.

ولا يُعدّ هذا الارتفاع رقماً مجرداً، بل هو إنذار لاقتصادات مترنحة ونظم بيئية منهكة ومجتمعات مهددة في أرزاقها وأمنها الغذائي والمائي.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

سلاسل الإمداد تحت الخطر

تشهد المحيطات المحيطة بالقارة، خاصة في شمال المحيط الهندي والمحيط الهادئ، ارتفاعاً غير مسبوق في درجات حرارة سطح البحر، بمعدل يقدر بـ0.24 درجة مئوية لكل عقد، وهو ضعف المعدل العالمي تقريباً.

ولا يقتصر تأثير هذا الاحترار في الحياة البحرية فحسب، بل يهدد سلاسل الإمداد الساحلية، ويضع موانئ كبرى مثل شانغهاي وسنغافورة على خط المواجهة مع ارتفاع مستوى سطح البحر، ما يرفع التكاليف ويهدد باضطراب الحركة التجارية في واحدة من أكثر مناطق العالم اعتماداً على التصدير والاستيراد.

اقتصاد آسيا بين الجفاف والفيضانات

أسهم ذوبان الثلوج والأمطار الغزيرة في كازاخستان وروسيا، في أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ 70 عاماً، أجبرت أكثر من 118 ألف شخص على الإجلاء، وسببت أضراراً فادحة بالبنية التحتية والمنازل.

من ناحية أخرى، يعاني ملايين من سكان آسيا نقص المياه، كما حدث في الصين التي شهدت موجة جفاف امتدت طوال الصيف أثّرت في 4.8 مليون شخص وألحقت الضرر بأكثر من 335 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، ما أدّى إلى خسائر مباشرة تجاوزت 2.89 مليار يوان (أكثر من 400 مليون دولار).

وفي وقتٍ تعاني فيه الأسواق ضغوطاً تضخمية، فإن انخفاض إنتاج الغذاء وارتفاع تكاليف الري والنقل سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على الأسعار، خاصة في الدول ذات الاقتصادات الناشئة.

نيبال.. نموذج للنجاة

على النقيض من فوضى الأرقام السابقة، برزت نيبال نموذجاً لاحتواء الكارثة عبر التخطيط والإنذار المبكر، فقد مكّنت أنظمة المراقبة المجتمعات من الاستعداد للفيضانات التي ضربت البلاد في سبتمبر أيلول 2024، وأسهمت الإجراءات السريعة في تقليل عدد الضحايا رغم ضخامة الخسائر المادية.

ولكن أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن مواجهة هذا الواقع المناخي القاسي تتطلب استثمارات واسعة في أنظمة الإنذار المبكر، وتمويل طارئ أكثر مرونة، إلى جانب تعزيز قدرات المجتمعات على التكيف والمرونة، خاصة في المناطق الفقيرة والمعرضة للكوارث.

كما شددت الأمينة العامة للمنظمة، سيليستي ساولو، على أن استمرار الاحترار على هذا النحو سيُحدِث تغييرات جذرية في النظم الاقتصادية والإيكولوجية في آسيا، ما لم تتحرك الدول بسرعة، ليس فقط للحد من الانبعاثات، بل لبناء نظم أكثر استعداداً وتحملًا للصدمات المناخية المتزايدة.

وتجّسد قصة آسيا مثالاً عن معركة صامتة بين من ينجو بتخطيط مسبق ومن يخسر كل شيء تحت وطأة مناخ يتغير بلا هوادة، إذ تدفع الدول التي تتأخر في التخطيط ثمناً باهظاً، بينما تنجح المجتمعات المستعدة في تقليل الخسائر وإنقاذ الأرواح، وتؤكد هذه التحولات أن البيئة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، وأن تجاهل هذا الارتباط لم يعد خياراً.