توصلت دراسة جديدة نُشرت يوم الأربعاء إلى أن موجات الحر القياسية والفيضانات الشديدة وحرائق الغابات، التي تفاقمت بفعل تغير المناخ، تحمل ثمناً باهظاً، وهو انخفاض بنسبة 19 في المئة تقريباً في إجمالي الدخل العالمي على مدى السنوات الـ26 المقبلة.
فاتورة التغير المناخي لن تؤثر على الحكومات والشركات الكبرى فحسب، إذ يتوقع الباحثون أن يتحمل الأفراد العبء الاقتصادي الأكبر للتغير المناخي، في وقت تحذر فيه الأمم المتحدة من اتجاه العالم نحو زيادة قدرها 3 درجات في مستوى الاحتباس الحراري خلال القرن المقبل رغم سياسات وجهود المناخ الحالية.
وقالت الدراسة التي أعدتها مجلة نيتشر إن الخسائر المالية على المدى القصير أمر لا مفر منه، حتى لو عززت الحكومات جهودها لمعالجة الأزمة الآن.
وقال اثنان من الباحثين في الدراسة من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ لشبكة «CNN» عبر البريد الإلكتروني «لا يمكن تجنب هذه التأثيرات، بمعنى أنه لا يمكن إقصاؤها من سيناريوهات الانبعاثات المستقبلية المختلفة حتى عام 2049».
ومع ذلك، أشاروا إلى أن الإجراءات الفورية للحد من تغير المناخ من شأنها وقف بعض الخسائر على المدى الطويل.
وقال الأستاذ والباحث البيئي في جامعة ستانفورد نوح ديفنباو، إن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ ستتخذ أشكالاً مختلفة، إذ ستؤثر درجات الحرارة المرتفعة على الزراعة وإنتاجية العمل وحتى القدرات الإدراكية للأشخاص في بعض الحالات.
هل فات الأوان لمنع الخسائر المستقبلية؟
تشير الدراسة إلى أن الأضرار المالية قصيرة المدى الناجمة عن تغير المناخ تفوق تكلفة محاولة حل الأزمة، بما في ذلك، الحد من استخدام النفط والغاز أو التكنولوجيا لسحب التلوث الكربوني من الهواء، والاستثمار في التكنولوجيا الأكثر مراعاة للبيئة.
وتوقع الباحثون أن الالتزام باتفاقية باريس للمناخ قد يكبد الاقتصاد العالمي 6 تريليونات دولار بحلول عام 2050، واتفاق باريس هو اتفاقية دولية بين نحو مئتي دولة لمعالجة آثار تغير المناخ والتقليل من الأضرار الاقتصادية ذات الصلة التي تقدر بـ38 تريليون دولار.
ولفتوا إلى أن أساليب التكيف ستوفر طرقاً فعالة لتقليل هذه الأضرار رغم تكلفتها الباهظة، وأعطى الباحث في معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا سان دييغو، برناردو باستيان، مثالاً على ذلك بشركات المرافق في ولاية كاليفورنيا التي أغلقت الشبكة الكهربائية لمنع حرائق الغابات.
وقال باستيان «عندما نوقف تشغيل شبكات الكهرباء، يتوقف القطاع بأكمله، وقد يكون ذلك مكلفاً لكنه ضروري للغاية».
وبينما تخلص الدراسة إلى صعوبة تجنب بعض الأضرار الاقتصادية قبل عام 2049، يؤكد مؤلفوها أن الفوائد الناجمة عن الحد من تغير المناخ قد تبدأ في الظهور بعد بضعة عقود.
البلدان الفقيرة تشهد تراجعاً أكبر في الدخل
فاتورة التغير المناخي لن يتم توزيعها بالتساوي، إذ وجدت دراسة مجلة نيتشر أن أميركا الشمالية وأوروبا ستشهد أضراراً أقل فيما يتعلق بمستوى الدخل خلال الأعوام الستة والعشرين المقبلة مقارنة بالدول الأكثر فقراً، وقدرت أن تسجل دول أميركا الشمالية وأوروبا تراجعاً بنسبة 11 في المئة في الدخل مقارنة بـ22 في المئة لدول إفريقيا وجنوب آسيا.
ووفقاً للدراسة، فإن الولايات المتحدة، وهي من أكبر مصادر التلوث تاريخياً، ستتلقى ضربة اقتصادية أقل من بعض الدول المجاورة، ومع ذلك، فإنها لن تكون بمنأى عن الاضطرابات الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب، خاصة الأجيال الشابة من الأميركيين.
وتشير دراسة منفصلة نُشرت يوم الثلاثاء في مجلة كونسيومر ريبورتس إلى أن التكلفة الشخصية لتغير المناخ للطفل الذي يولد في الولايات المتحدة في عام 2024 قد تصل إلى 500 ألف دولار.
وأضافت أن ارتفاع تكاليف متطلبات المعيشة الأساسية في الولايات المتحدة سوف يزيد بسبب تغير المناخ.
فمن المتوقع أن تزيد تكاليف السكن بمقدار 125 ألف دولار على مدى عمر الشخص المولود في عام 2024، بسبب ارتفاع تكاليف الصيانة والتأمين ضد مخاطر الفيضانات والأضرار الأخرى المرتبطة بالطقس.
بينما سترتفع أسعار المواد الغذائية بما يقدر بنحو 33 ألف دولار على مدى عمر الشخص المولود في عام 2024، بسبب الاضطرابات في الزراعة وسلاسل التوريد، ومن المتوقع أن ترتفع النفقات الأخرى، مثل الطاقة والنقل والرعاية الصحية، في العقود القليلة المقبلة أيضاً.
وبحسب الدراسة «ستتطلب هذه الخسارة المالية اتخاذ قرارات صعبة بشأن كيفية دفع ثمن الغذاء والسكن والنفقات اليومية الأخرى بالنسبة للأميركيين، والتي سيزيدها تغير المناخ بنحو 9 في المئة على مدى حياتهم».